رجل محترم قضى ! 

بقلم: المختار لغزيوي الأربعاء 07 فبراير 2024
No Image

فقدان السي محمد بنسعيد آيت يدر هو فقد جلل كبير، تحسه إذا كنت مغربيا تريد للمغرب وعن المغرب الصورة الفضلى فقط.

المقام هنا ليس مقام اتفاق سياسي أو اختلاف في التصورات.

المقام هنا مقام احترام كبير لرجل استطاع بكل هدوء الكون، وبتواضع واضح الملامح، ودون ضجيج فارغ أن يفرض على المتفق والمختلف معه أن يحترماه.

لذلك لامفر من بعض كلام عنه، لايريد تقديم سيرته الغنية، فالقارئ سيجدها في مكان آخر من هذا العدد، ولايريد رصد أصداء رحيله، فهذا أيضا أمر متروك لأمكنة أخرى في الجريدة.

اليوم فقط، وقبل وبعد الترحم على الراحل الكبير، وبعد تقديم العزاء الصادق لأسرته الصغيرة، وللمغرب أسرته الكبيرة، نود الحديث قليلا عن خصلة الاحترام هاته التي يعد السي محمد فعلا واحدا من آخر القابضين على جمرتها داخل المشهد الحزبي الوطني.

مؤخرا، عاجلتنا أنباء كثيرة عن سياسيين في السجن، بسبب النصب أو الإثراء غير المشروع، أو في حالات أسوأ، بسبب التورط في تسهيل تهريب المخدرات.

قرأنا واستمعنا وشاهدنا أخبارا مست كل الأحزاب التي تمنح التزكية "لمن والا"، تتحدث عن كوارث حقيقية تجعل المغربي والمغربية يتساءلان : كيف يمكن الاطمئنان ونخبة البلد الحزبية بهذا الهوان؟

وجدنا أنفسنا، نحن الجيل الذي رأى بنسعيد آيت يدر يطرح السؤال في البرلمان المغربي عن تازمامارت، ورأينا فتح الله ولعلو ذات ملتمس رقابة يهز المجلس، ورأينا بوعبيد الكبير (السي عبد الرحيم رحمه الله) يقدم ثمن حب الوطن "كاش"، ودون مزايدات وبالابتسامة الصبورة المحبة لثوابت بلدها، المقتنعة بأن الحياة ستدور، وسيقال له "كاينة، عندك الصح"، ورأينا كبير القوم سيدي امحمد بوستة بكل ما في "تمراكشيت" من نخوة يسبق مصلحة البلد على مصلحة الحزب وعلى كل مصلحة، ورأينا سي علي يعتة ينافح حتى آخر اللحظات عن البلاد ومصالح العباد (وجدنا أنفسنا) ونحن نتساءل : أي منكر ارتكبناه، وأية جريرة اقترفناها حتى ابتلانا الله بحزبيي المخدرات والنصب والاحتيال والإثراء غير المشروع و "اللهطة" الناتجة ليس عن الفقر، بل عن الجوع الداخلي فقط؟

"آش درنا وآش عملنا وآش من خاطر خسرنا؟" حتى حملتنا الأيام على جناحيها من أزمنة كل ذلك التدافع الراقي الحضاري المحترم بين الناس، إلى زمن وضع الحلوى داخل القب في سلهام البرلمان، زمن "فهمتيني ولا لا؟" الساقط؟

ولو كنا نعرف ونحن صغار أن الدورة ستدور بهذا الشكل لما قرأنا جريدة، ولما حضرنا نشاطا سياسيا واحدا، ولما تابعنا الأحزاب وفاضلنا بينها واختار كل تائه منا واحدا منها لكي يمنحه ثقة لاتستحقها الأغلبية اليوم.

في فقد الرجل الكبير المسمى محمد بنسعيد آيت يدر، ولااعتراض على المشيئة الربانية طبعا، نتحسس مجددا الرؤوس، ونحاول أن نعد "شكون بقا؟".

يأتينا الجواب قاسيا في صراحته: الباقي الله.

قلة قليلة فقط، لازالت تستحق هذا الاحترام الغالي، ولازالت تستطيع أن تقول دون أن تكذب : نعم، دخلت العمل الحزبي أو الجمعوي من أجل خدمة البلاد والعباد.

الأغلبية "راكم عارفين علاش داخلة لهاد الشي".

لذلك الحزن مضاعف، ولذلك الألم بحجم أكبر، مع أننا نحن الذين نجعل التفاؤل سبيلنا للمقاومة حتى آخر رمق نقول : هذا الزبد الفاسد سيذهب جفاء، ومن الأجيال الجديدة أكيد سيخرج مغاربة لن يربطوا أبدا حب الوطن بالهوتات والهمزات ومدى استفادتهم من ترديد الشعارات.

أكيد هذا الأمر، فهاته البلد ليست عاقرا لكي لاتلد لنا إلا النصابين و المحتالين وواضعي أيديهم على ماليس لهم.

الله يرحم سي بنسعيد آيت يدر. الله يرحم الناس.