عدت من الكوتديفوار ساخطًا على الإقصاء المبكر، حزينا من صدمة خروج توقعت أنه سيكون في آخر اللحظات من الكأس القارية، مرفوقا بهاته الكأس وهي عائدة إلى الرباط التي تليق بها، ولم أستعد بسمتي -للأمانة - إلا عندما وضعني حظي العاثر، الذي أعرفه جيدا ويعرفني أكثر، أمام فيديو في اليوتوب، يعرف فيه معارض جديد هتلر بأنه "واحد الشخص كانّ باغي يدير الصحافة وفشل وهو يبدا يدير هاد الشي ديال الفيديوهات".ابتسمت أول الأمر بصعوبة، ثم ضحكت، ثم مررت إلى القهقهة، واعترفت لصاحب الجملة (وهو بالمناسبة علي الذي ألقبه دائما ب "زان زان") بخفة دم حقيقية، وبسخرية لاذعة أطارت عني كآبة الإقصاء، وذكرتني أن كأس إفريقيا "مشات"، وكأس إفريقيا أخرى ستأتي، والمهم هو الصحة والسلامة بطبيعة الحال.قادني هذا الفيديو، وحالة الصدمة بعد الإقصاء، من إبداع إلى آخر في هذا الفضاء العجيب، وشرعت في تلمس مكامن العقل لدي وأنا أتساءل عن محرك البحث عند هاته الكائنات التي تجلس أمام كاميرات وتتحدث طويلا لكي لاتقول شيئا في أحسن الأحوال، أو لكي تقول فظاعات فعلية يعف صاحب العقل وصاحب الخلق أن يتورط فيها، وفي قولها أو ارتكابها. حتى مبرر "طريف دلخبز" بدا لي غير كاف لكي يضع الإنسان نفسه في تلك المواقف المشوهة، ولكي يضحك فيه وعليه من يعرف ومن لايعرف، من أجل أن تصله بعض الدنانير أو الريالات أو الدراهم أو الدولارات أو الأوروهات منتصف كل شهر.هناك مارستان حقيقي تدور رحى حربه في اليوتوب وبقية منصات المشاهدة، تستطيع داخله أن ترى المخبول يتحدث عن السياسات الكبرى، والأحمق ينظر في الاقتصاد العالمي، و "المسطي" أو "المسطية"، يقترحان على الدول كيفية الخروج من المآزق العالمية الكبرى.ثم هناك آفة "السكوبات" الكاذبة، أو القنابل العابرة لكل القارة التي يسميها المغاربة "السلوقيات"، التي يطلقها أناس يكفي أن تنصت إليهم دقائق معدودات لكي تعرف أنهم لايعرفون عنوان سكنهم، فأحراك أن يعرفوا الأسرار الكبرى الخطيرة والقاتلة والعظيمة التي يفجرونها يوميا في وجوه العباد، ولاتترك أثرا سوى رائحة غير طيبة كثيرا يلزمك للتخلص من أثرها الكثير من الطيب والعطر وكل أنواع البخور.هل هو أمر عادي كل هذا الحمق؟ربما يبدو انخراط الجل فيه سببا يجعل البعض يقول "نعم إنها موضة العصر وآفته، ولاحل سوى التعايش معها وكفى، وإن اقتضى الأمر استعمال هؤلاء الحمقى لضرب بعضهم ببعض، خصوصا وأنهم مستعدون لبيع كل شيء لأول راغب في الدفع والأداء".لكننا فعلا نقول إن الأمر خطير، والرهان على الحمقى هو رهان قاتل، تعلم المغاربة سمه منذ القديم حين أوصوا بعدم فعل أي شيء معه، لأنه سيفضحك فاعلا كان أم مفعولا به أعزّ الله قدر الجميع.نعم، ربما يميل الجزء الأكبر من الجمهور نحو مشاهدة هاته العاهات اليوتوبية على سبيل الفرجة، أو على سبيل التعبير عن سخط ما من الوسائط التقليدية، لكن هذا لايعني جعل هذا المارستان ساحة تناظر وهمية تريد ملء فراغ ما بما هو أسوء من الفراغ: الجنون.في حالات "التلفة" الكبرى يوصي المغاربة بشيء واحد منذ ابتدأت الحياة : (شد الأرض).مع هؤلاء الحمقى: (نشدو الأرض، ونشدو ريوسنا)، ونفكر كثيرا مادمنا نمتلك قدرة - وإن بسيطة - على التفكير إن كان سليما أن نسلم القياد ذات هنيهة ولو صغيرة لمن رفع عنهم القلم، بحجة أنه "هاد الشي اللي عطا الله والسوق"؟؟؟لنسأل أنفسنا فقط، وبعدها لها مدبر حكيم.