البعض يقول إنها "مجرد بطاقة، ولاداعي لكل هذا الضجيج".والبعض الآخر يرد عليه، ويقول "بل هي البطاقة، وهي فعلا تستحق أكثر من هذا الضجيج".نحن سنقف مجددا في مرتبة بين المرتبتين، أي في الوسط، وفي منطقة الاعتدال لكي نقول هي تستحق الاهتمام فعلا، لكنها ليست أم المعارك، ولا المعركة المصيرية التي يتوقف عليها مستقبلنا نحن صحافة هذا البلد، إلى درجة كل هذه الحدة التي رأيناها خلال طرح هذا النقاش مؤخرا. مهنتنا تستحق الانتفاض حقا لأشياء أخرى غير البطاقة.أولا هي تستحق الانتفاض ضد استباحتها: أمضيت ومن هم في حكم جيلي قرابة الربع قرن في هاته المهنة، ولا أعرف ما الذي أصابها فعلا في هذا الزمن حد تطاول الجميع عليها، وحد دخول أي كان إلى رحابها، وحد توفر تلك (البطاقة المسكينة) عند الجميع بشكل يبعث على الرثاء فعلا.وإن كنت أنسى أمورا كثيرة، فلن أنسى اليوم الذي عاجلني فيه صديقي جزار الحي الذي أسكنه، منذ سنة بعيدة، ببطاقة مهنية تشبه تلك التي أضعها في حافظتي، وقال لي وهو يضحك "نوض تشلل آلأستاذ".ثانيا مهنتنا تستحق الانتفاض ضد مستوى التكوين فيها: لدينا مشكل كبير أيها الإخوة، أيتها الأخوات، وعدد من رحم ربك في الميدان ممن سلموا من الجنح والجنايات المهنية واللغوية والمعرفية، عدد صغير جدا.الأغلبية"توكلت على الله والسلام"، ووجدت في هذا الميدان انعدام ضبط وربط وتدقيق مكنها من أن "تأكل طريف دلخبز" في وبسلام، علما أن هذه المهنة بالتحديد ليست مهنة "طريف د لخبز" (ولا طريف أي شيء آخر أثمن من الخبز كما ألف التهامه الأكلة الأبديون).هذه المهنة اختيار إنساني وحضاري كبير، تدهور به الحال في بلادنا إلى أن أضحى عمل من لاعمل، ولاموهبة، ولا أخلاق، له.ثالثا، تستحق الوضعية الاجتماعية لأهل هذا القطاع الحقيقيين والمساكين الانتفاض الصادق لأجلها أكثر من البطاقة، ولكي لانثرثر كثيرا دون فائدة نقول إن صحافيا (ة) يشتغل بأجر غير لائق وفي ظروف غير لائقة هو مشروع مرتش يحق له أن يمد يده لما ليس من حقه، رغم أن كل الأعراف والقوانين تمنع ذلك، لكن الواقع الذي نعرفه جيدا يقول أشياء أخرى.ولن أستطيع - وأسموه جبنا أو مراعاة أو ماشئتم - أن أستفيض في تقديم الأمثلة التي نعيشها بشكل يومي في ميداننا، لكننا فعلا "نعرفها باش مسقية"، وكفى.باختصار، هي ليست مجرد بطاقة، وهي في الوقت نفسه ورقة إدارية ليس إلا، وهناك أمور كثيرة يجب أن نحسم في الغضب لأجلها والانتفاض ضدها، وفقط عندما ننتهي من هاته الأمور يحق لنا أن نؤسس التنسيقيات المضحكة التي نشاء من أجل مانريد من مطالب الله وحده يعلم مدى تفاهتها مقابل المشاكل الحقيقية التي تقتل هذا القطاع.