AHDATH.INFO
تسارع المملكة العربية السعودية الخطى، في أفق تنزيل رؤية 2030، لتحقيق تحولات عميقة اقتصاديا واجتماعيا، عبر مشاريع عملاقة تعزز تطلعات المملكة نحو التنمية الشاملة، كمشروع "نيوم" الممتد في الشمال الغربي للبلاد بين مصر وخليج العقبة. مساحة "نيوم" النهائية ستعادل مساحة دول أوروبية من حجم بلجيكا.
تستثمر العربية السعودية أزيد من 100 مليار دولار في هذا المشروع العملاق من خلال وظائف ومرافق عصرية لا تتوافق مع النظرة التقليدية للطبيعة الاقتصادية للمملكة، كالطاقات المستدامة وحكامة المقاولات البيئية والاجتماعية، والسياحة والشركات الناشئة في القطاع غير البترولي، وفق رؤية تبتغي تنويعا شاملا للاقتصاد السعودي. وسيعمر مدينة نيوم أزيد من 9 ملايين شخص. بعد الانتهاء من المشروع، ستحمل ‘‘نيوم‘‘ المملكة العربية السعودية لمصاف الدول المتقدمة تكنولوجيا والتهيئة العمرانية المستدامة.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
مدينة نيوم، بتطلعاتها الجريئة للارتماء في أحضان المستقبل وتجسيد ما يمكن اعتباره مستحيلا، تملك كل المقومات للاختصاص بإشعاع مماثل. تقمص روح قرطبة يمكنه رفع المملكة العربية السعودية إلى قلب مستقبل رائع.
ويتوقع أن تصبح نيوم مركزا عالميا للابتكار والتكنولوجيا والاستدامة، ومن خلال التموقع في مقدمة الإبداع الكوني في كل ما يتعلق بالصناعة كالطاقة والتكنولوجيا الحيوية والروبوتات والذكاء الاصطناعي. و تهدف نيوم إلى وضع معايير جديدة للتهيئة العمرانية الحضرية، وإعادة تعريف إمكانيات المجتمع الحديث. نيوم مشروع طموح، يعكس روح قرطبة في أوجها، عندما كانت مختبرا ثوريا لكل الأفكار التقدمية.
ترتبط روح قرطبة، التي شجعت بيئتها المنفتحة التنوع والابتكار، ارتباطًا وثيقًا برؤية نيوم التي تسعى إلى إنشاء مجتمع تقدمي يحتضن القادمين من جميع الخلفيات، ويعزز التبادل بين الثقافات ويسهل التعاون بين الخبراء وأصحاب الرؤى من جميع أنحاء العالم. بدورها تتماهى رؤية نيوم مع جوهر روح قرطبة عبر توسيع الآفاق والسعي لتحويل العالم إلى مكان أفضل.
أشرقت شمس قرطبة، خلال الحكم العربي الإسلامي للأندلس بين القرنين التاسع والعاشر الميلادي، على العالم القديم كمنارة تدفأ بنورها العلماء والفقهاء من مختلف الثقافات والأديان في تسامح بليغ وانسجام كامل. وأرسى أرسى التبادل الثقافي والجو الفكري للمدينة الأساسات العلمية الضرورية لتحقيق إنجازات مهمة في الرياضيات والعلوم والطب والفلسفة والهندسة المعمارية.
أدى الإشعاع الاستثنائي لقرطبة إلى بروز اثنين من أكبر فلاسفة كل العصور : ابن رشد المسلم وابن ميمون اليهودي، وكلاهما بسطا هميمتنهما المعرفية تاريخياً خارج حدود قرطبة وسيعكسان التسامح الديني المطلق الذي سيخيم على نيوم. إلى ذلك، ستمتح المملكة، من إبداع الابتكار المعماري لقرطبة، كل مبادئ الهندسة لتصبح مدخلا لمشروع مدينة ‘‘الخظ‘‘ المذهلة في نيوم، كأول مدينة ذكية خطية يبلغ طولها 170 كيلومترًا ، ستحدث في حالة نجاحها لا محالة، ثورة في الهندسة المعمارية الحضرية لقرون قادمة.
في نفس السياق، يتماشى التزام نيوم بالاستدامة والبيئة مع مبادئ قرطبة، حيث تعايش احترام الطبيعة والإبداع العلمي في وئام. أحدثت أنظمة الري المبتكرة والهندسة الزراعية والمعرفة النباتية في قرطبة ثورة في الفلاحة، وهو ما ألهم باقي الممارسات الزراعية في جميع أنحاء العالم.
تحذو الرغبة القائمين على نيوم، عبر ترسيخ مبادئ السلوكات المستدامة ومصادر الطاقة المتجددة، إلى رفعها لمرتبة أعجوبة التوازن البيئي الحديثة، وإلى تجسيد روح الفطنة العلمية في قرطبة. أهمية قرطبة كمركز للتجارة والتبادل التجاري تجسد أهمية التواصل في عالم اليوم والغد. كانت أسواقها في ذلك العصر الذهبي ا، بوتقة انصهرت فيها كل الثقافات، واجتمع فيها التجار من مختلف أنحاء العالم لتبادل السلع والأفكار والثقافات.
وتهدف نيوم، المصممة لتصبح موقعًا استراتيجيًا للتجارة والأعمال، إلى إنشاء نظام بيئي اقتصادي مزدهر يسهل التعاون العالمي. ومن خلال احتضان روح الترابط في قرطبة، يسعى المشروع إلى أن يصبح مركزًا حديثًا، يدفع بالنمو الاقتصادي والازدهار على نطاق كوني. إحدى السمات المميزة لقرطبة تجلى في قدرتها على التكيف مع التنوع، وتعايش الناس من مختلف الأديان والأعراق والخلفيات بسلام، مما ساهم في تكوين فسيفساء غنية بالثقافات والتقاليد.
باستحضار هذه الروح، تسعى نيوم إلى أن تغدو منارة للتسامح، ترحب بالوافدين من جميع أنحاء العالم، كما ترمي إلى خلق مجتمع لا يحكم فيه على الأفراد من خلال أصولهم أو معتقداتهم، ولكن من خلال مساهماتهم في تطوير المجتمع والإنسانية. وتعكس هذه الرؤية المشتركة للإدماج والاحترام جوهر قرطبة، حيث تلتقي الأفكار المتنوعة لتشكل فسيفساء رائعة من التعايش.
قد يبدو مشهد نيوم غير مكتمل اليوم، لكن من خلال استلهام روح قرطبة، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تمهد الطريق لمستقبل من التقدم والابتكار والازدهار. وكما يعيش إرث قرطبة في قلوب أولئك الذين يعتزون بتاريخها، توحي نيوم بقدرتها على دخول قائمة سجلات أكبر الإنجازات البشرية على الإطلاق، لتصبح شهادة على قوة البصيرة و التعاون الجماعي. ووحده الزمن كفيل هو بالكشف عن تأثيرها الحقيقي، لكن رحلة هذه المدينة الطلائعية إلى المستقبل تحمل في داخلها روح قرطبة.
(*)هيام نواس: باحثة في الإسلام والاتجاهات السياسية في دول مجلس التعاون الخليجي. ومستشارة لدعم التحول في منطقة الخليج منذ عام 2016.