التعليم الخصوصي والتعليم العمومي: هاته الهوة !

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 27 نوفمبر 2023
No Image

أعرف أبناء لأصدقاء لي، يدرسون هاته الأيام في التعليم الخصوصي المغربي، بشكل عادي للغاية.

وأعرف أبناء لأصدقاء لي، يدرسون يومي الإثنين والجمعة لمدة ساعتين فقط، في التعليم العمومي، تتخللهما ساعتان من الإضراب الذي يقوم به الأساتذة، ولايدرسون إطلاقا أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، بسبب نفس الإضراب.

أعرف أيضا أن كل هؤلاء الأبناء أصدقاء، ويلتقون رفقة آبائهم نهاية كل أسبوع من أجل قليل من الكرة يلعبونها لنسيان هم الأيام السالفة.

أعرف كذلك أن الموضوع الجامع بين كل هؤلاء الأبناء، وبين كل هؤلاء الآباء، هاته الأيام، هو الحديث الراتب المتواتر عن هاته الهوة التي تفصل بين صغار في السن ذاته، الفارق الوحيد بينهم هو أن آباء بعضهم اختاروا تعليما مؤدى عنه، وأن آباء البعض الآخر اختاروا ماتبقى من التعليم العمومي.

قبل زمن الإضراب الحالي، كان هناك نقاش يجمع نفس الآباء ونفس الأبناء عن منهجية التدريس، وعن المقررات، في التعليمين معا.

نقاش بلغ قمته خلال الامتحان الموحد، حين يكتشف تلاميذ في نهاية مرحلة الابتدائي، أن اللغة الإنجليزية التي شرعوا في تحدثها بطلاقة لأنهم درسوا في التعليم الخصوصي، هي لغة مجهولة تماما لدى أقرانهم في التعليم العمومي، الذين سيشرعون في اكتشاف ألغازها وسبر أغوارها، فقط حين سيصلون إلى الإعدادي بعد نجاحهم في نفس الامتحان الموحد الذي يجمعهم بالتلاميذ الآخرين، القادمين من (قارة المؤدى عنه من التدريس).

وللمفارقة فقط، التلاميذ الذين درسوا الإنجليزية في الخصوصي، ليسوا مضطرين لاجتياز امتحان فيها في الموحد لأن تلاميذ العمومي لايدرسونها.

ما المراد قوله من كل هاته (الخيلوطة) التي لاجامع بينها نظريا؟

لاشيء سوى أننا نبني هوة حقيقية بين صغار منتمين لنفس الجيل. وهاته الأيام، وإضراب التعليم يزيد الهوة هوة أخرى، لأن (الحكومة المحترمة)، و (الأساتذة المحترمين) لم يتفقوا على منهجية حوار وتمثيلية ترضيهما معا، نزداد اقتناعا أننا بصدد زرع بذرة ابتعاد تزداد كبرا بين تلاميذ في السن ذاته، يفترض أن شغلهم الشاغل هاته اللحظات هو التلقي والتعلم، وملء الدماغ بما سيساعدهم على مواجهة الحياة، مسلحين بأكبر قدر من المعرفة.

لا أدري بالنسبة لكم، لكن بالنسبة لهذا الأب المغربي الذي يكتب هاته الملحوظة اليوم، هذا هو وجه فشلنا الجماعي الأكبر، وهذه أسوأ خيبة يمكن أن تمسنا، وهذا هو الموضوع الذي لايحتمل المزايدات السياسوية الفارغة، التي نقبلها عادة في المواضيع الأخرى.

مايرتكب في حق جيل من الصغار المغاربة بسبب المزايدات السياسوية الفارغة، بين كل الأطراف، (ونحن الشعب لانبرئ طرفا في هاته)، لديه مسمى واحد: الجريمة.

ولتعذرنا الأطراف التي تذبحنا وتذبح أبناءنا، وهي تتقاتل من أجل مكتسباتها التي تعتبرها كل شيء في الحياة، لكننا بالتأكيد لن ننسى كل الضالعين في هاته الجريمة.

وإذا ماكان صغارنا اليوم عاجزين عن العثور على من يلقنهم ومن يدرسهم ومن يعلمهم، فإننا في قلب منازلنا وفي كل مكان من هذا الوطن الأمين، سنحرص على جعلهم يحفظون عن ظهر قلب هذا الدرس على الأقل: أنتم، صغاري، ضحية المزايدات والمزايدين.

قدركم الحزين هو هذا: أن يقتلكم جهلا من يفترض أن وظيفتهم في الحياة (حكومة وتنسيقيات ونقابات) هي أن يوفروا لكم هذا الحق الأساسي من حقوق الإنسان: حقكم في التعليم.

لنقلها بلغة المغاربة البسيطة والدارجة، فقد أعيتنا مع قوم المزايدات كل الحيل، وكل اللغات المتعالمة التي نرطن بها: "حقكم فالجنة آوليداتي...حقكم فالجنة"، ولا حول ولاقوة إلا بالله حقا.