لغزيوي يكتب عن مهرجان مراكش الدولي للفيلم: في ذكرى الميلاد العشرين! 

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 24 نوفمبر 2023
No Image

تقول الأغنية "البارح..كان عمري عشرين"، ويقول مهرجان الفيلم الدولي لمراكش "أبلغ اليوم سن العشرين، مع القفز على سنتين كانتا تذكارا للجائحة العالمية "كوفيد"، ومافعلته ولازالت تفعله بالبشرية جمعاء".

يحق للبهجة أن تعود لمدينتها، ويحق لنا أن ننسى، أو نتناسى على الأقل، هزة الثامن من شتنبر الأليمة، تلك التي نجحت فقط في تذكيرنا أننا، نحن المغاربة، نعشق مراكش والحوز حد الجنون بهما وحد الذوبان في ثنايا الوله بهما، وحد جعلهما علامة ورمز صمودنا وبقائنا، وقدرتنا، المرة بعد الأخرى، على النهوض فور كل وقوع، لأن قدر المغربي، الذي تسميه كتب التاريخ الأولى: المراكشي، هو أن يظل منتصب القامة يمشي، مرفوع الهامة لايستطيع إلا الفخر بكل هذا الانتساب.

أسأل نقسي بعد كل هاته الدورات: ما الذي تحقق من هذا المهرجان؟

أجد في الجواب كلمة : الكثير، دالة على التراكم الذي تم، والذي ينبغي أن تأخذ منه مسافة لكي تستوعب قيمته، ولكي تحس بعظمته فعلا.

في مهنتنا فقط، أي الصحافة وعلاقتها بالمهرجان، أتذكر أنني التقيت هناك في الحمراء ببعض من التالية أسماؤهم من "المواهب الشابة والصاعدة والتي ينتظرها مستقبل زاهر في السينما إن هي واصلت المسير": شون كونري، آلان دولون، يوسف شاهين، مارتين سكورسيزي، عادل إمام، نور الشريف، روبير دي نيرو، واللائحة تطول وتطول.

أسماء مثل هاته كنت تضطر -إذا كنت محظوظا طبعا - أن تسافر إلى كانّ الفرنسية أو برلين الألمانية، أو البندقية الإيطالية لكي تلمحها عابرة أمامك.

مهرجان مراكش للفيلم الدولي أتى بها إلى مدينة البهجة وجعل اللقاء معها أمرا ميسورا، للصحافة وللفنانين المغاربة أولا، ثم لجمهور الحمراء العاشق للفن السابع ثانيا.

وعندما نتذكر اليوم أن هذا المهرجان عقد دورته الأولى بعد حوادث 11 شتنبر الأليمة في أمريكا، وتنبأ له الكل بالفشل السريع، وهاهو يحتفي بدورته العشرين اليوم، ويصبح ومن بعيد المهرجان الأهم إفريقياً وعربيا، وموعدا عالميا مكتوبا بحبر من عشق السينما في أجندة كبارها على المستوى الدولي، تتأكد مجددا أن التحدي صناعة محلية كتب عليها بالخط المغربي الأصيل "صنع في المغرب".

وإذ ألتقط من الذاكرة فلاشات ولقطات ومشاهد كثيرة عشناها مع هذا الحدث السينمائي الكبير على امتداد كل السنوات، أتوقف عند كلمة سمو مولاي رشيد، وهو يقدم الدورة الحالية بالتعبير الرائع التالي: "في عالم اليوم، الذي تتوالى فيه الكوارث والتوترات المروعة، تقف السينما معقلا شامخا للسلام، يسعىلتحقيق التقارب بين الثقافات واكتشاف الآخر. يعمل مهرجان مراكش إذن على تخليد هذا التقليد، حيثيصبح كل عرض وكل لقاء بمثابة دعوة للتعرف على الآخر والانفتاح عليه، ومناسبة لإذكاء روح التعاطفوتقاسم الخبرات والمعارف. إن اختيار مراكش لأجل ذلك لم يكن بمحض الصدفة، فقد كانت المدينةالحمراء الرائعة على مر التاريخ ملتقى للثقافات، وموقع التلاقي والحوار."

هل من حاجة لكلام إضافي؟

لا أعتقد، ولا أظن، ولا أتصور.

الحاجة الآن هي فقط لحجز المكان الأول في قاعات مراكش المظلمة والمشعة حياة، من أجل مشاهدة كل الجديد الذي تحمله الدورة العشرون، ومن أجل عيش تلك الهنيهات الرائقة التي تتقن مدينة البهجة وحدها دون مدن العالم كافة صنعها، ومن أجل تجديد عهد الوفاء للسينما، في زمن منصات المشاهدة الجديدة، التي تحمل إليك الأفلام حتى غرف منزلك، لكنها تعجز عن حملك إلى تلك الأفلام مثلما تفعل قاعات العرض السينمائية، بسحرها الخاص الذي يجعل هذا الفن قادرا على مقاومة كل التطورات، حاملا لنور اشتقه من إسم من اخترعوه (لوميير)، ومتمكنا المرة تلو المرة من إدهاش من يعتقدون واهمين ألا شيء أصبح قادرا على إدهاشهم في هاته الحياة.

سحر السينما، وسحر مراكش، ماذا يريد عاشق الفن وعاشق المغرب أكثر من هذا؟

لاشيء، سوى تمني الدوام لهذا الموعد الحضاري الراقي، وتمني الفرجة الجميلة والممتعة لكل من يحب السينما ومن يحب مراكش، ومن يذهب إليهما معا حبا في الجميلة اللعينة المسماة: الحياة.