لا، نحن لانستطيع ! No, we can’t ! (مستحيلات عربية)

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 17 نوفمبر 2023
No Image

لاتستطيع في العالم العربي اليوم أن تقول "حماس هي السبب الأول في مأساة غزة الحالية، وهي التي فتحت يوم السابع من أكتوبر الماضي، بوابة جهنم، على مدنيي القطاع، حين قامت بمغامرة اعتبرتها محسوبة العواقب، ويعتبرها المواطن الفلسطيني الذي يموت يوميا على يد إسرائيل مئات المرات، مغامرة لعينة ألقت به مجددا في أتون حرب لاقبل له بها وبتبعاتها على الإطلاق". حتما أنت لاتستطيع.

لاتستطيع أيضا أن تقول بأن حل الصراع في تلك الأرض، اليوم، أو غدا، أو بعد آلاف السنين، أي بعد انقراض كل الأحياء الذين يناقشون حاليا، عن علم نادرا، وعن جهل في الغالب الأعم، هذا الموضوع، هو السلام.

لا، أنت لاتستطيع ذلك. عليك أن تقول فقط "الجهاد، المقاومة، النضال، العمليات الانتحارية (مثل هاته التي قامت بها حماس منذ مايفوق الشهر ويؤدي ثمنها الأبرياء اليوم)، صبر وجهاد نصر واستشهاد"، وبقية المفردات الجميلة ظاهريا ونظريا، غير المتحققة على أرض الواقع عمليا، ومع ذلك أنت لاتستطيع ترديد غيرها،وإلا غضبت منك الجموع، وسمعت مالاقبل لك به إطلاقا.

لاتستطيع طرح السؤال "طيب، والآن إلى أين؟".

سيجيبونك "أنت انهزامي يريد التأثير معنويا على الأمة، وأنت انبطاحي تزحف على الأرض مثل السحالي والتماسيح وبقية الزواحف، وأنت طابور خامس وسادس وعاشر وألف ومليون، مندس في صفوفنا لكي تبث الصهينة والتطبيع، وأنت رمز لكل شيء قبيح يمكن تخيل وجوده على سطح الأرض، وأنت كل ذلك ويزيد".

سيسبونك، سيشتمونك، سيفرغون قاموس كلامهم النابي فوق رأسك، وسيتفننون في نظم كل قصائدالهجاء في حقك بمختلف الطرق، وعبر عديد الكلمات.

شيء واحدفقط لن يقوموا به، مع أنه بسيط، بل هو البساطة عينها: لن يجيبوك على سؤالك الأبسط و"العبيط" : طيب، والآن إلى أين ؟

لاتستطيع أن تقول لهم "أسمع محفوظات كثيرة منكم والأناشيد منذ حداثة العمر الأول، وألمحكم دائما وأنتم تعدون فلسطين بالنصر، وإسرائيل بالزوال، وأحفظ عن ظهر قلب كل شعاراتكم، لكنني على أرض الواقع أرى العكس تماما، لماذا ياترى؟".

سيحملقون فيك طويلا باحثين بين ثنايا الحملقة عن جواب يعفيهم من التفكير حقا في السؤال. سيقولون لك عن نفسك أشياء أنت لاتعرفها، وستكتشف معهم خباياك وأسرارك والكواليس، لكنهم لن يشرحوا لك أبدا سر كل هاته الفوارق بالسنوات الضوئية، الموجودة بين ضجيجهم الكثير وبين فعلهم القليل.

لعلهم هم أيضا لايستطيعون الجواب، ويخفون بكل هذا الشتم المرسل الراتب المسترسل عجزهم عن الإجابة.

لعلهم هم أيضا، لو توفرت لهم قليل نزاهة فكرية مع الذات، يريدون أن يفكروا بعقلهم عوض التفكير بحنجرة الصراخ فيهم، في هذا الموضوع، ويريدون له حلا يتناغم فيه الشعار مع الواقع، لكنهم يستحون أو ربمايخجلون من الاعتراف بأن شعاراتهم التي لم تطبق يوما هي سبب ضياع القضية منذ بدئها، وحتى هذا الوقت الذي يبدو أنه المتم.

هم لايستطيعون الاعتراف بذلك، وأنت لاتستطيع أن تقول لهم ذلك، وأنتم معا يوحدكم شيء واحد في الوقت الذي تفرقكم فيه كل الأشياء: أنتم جميعا لاتستطيعون.

تقول في الختام : الله يرحم ضعفنا، وتكتب بضع كلمات، وتمضي...مؤقتا في انتظار عبور آخر بطبيعة الحال.