استهداف المغرب خط أحمر

محمد أبويهدة الجمعة 03 نوفمبر 2023
No Image

AHDATH.INFO

دولة الحق والقانون لايمكنها أن تسقط في فخ الاستفزاز. تلك هي الرسالة الأساسية المستخلصة من التحقيقات القضائية الجارية حاليا حول انفجارات السمارة التي خلفت شهيدا وثلاث جرحى وخسائر مادية، وعدم لجوء المملكة المغربية إلى التسرع والتصعيد.

إن تهديد التراب المغربي بأعمال عدائية أو إرهابية هو خط أحمر لا يقبل به المغرب، بسبب طبيعة هذه الهجمات التي تهدد السلام والأمن الإقليميين، في حين أن المغرب وبشهادة المنتظم الدولي ظل حريصا على دفع كل التهديدات سواء على ترابه أو تلك التي تستهدف دول المنطقة، بل أكثر من ذلك تمكن بفضل أجهزته الاستخباراتية أن يحبط أعمالا تخريبية في عدة دول، وذلك هو أكبر دليل على حرص على المغرب على الأمن ونبذه للعنف.

ما وقع ليلة السبت الأحد (28 و29 أكتوبر الماضي) من استهداف أحياء سكنية تنعم في السلام والهدوء، جاء تزامنا مع الموعد السنوي لتقديم التقرير حول قضية الصحراء المغربية إلى مجلس الأمن، الذي اعتمد قرار تمديد ولاية المينورسو، وسط تأييد دولي للمبادرة المغربية المتمثلة في مخطط الحكم الذاتي.

وفيما يسير المغرب بشكل سلمي وسياسي نحو حل نهائي لهذا النزاع المفتعل ويدافع عن قضية الصحراء المغربية العادلة في المحفل الدولي، تنحو البوليساريو إلى العنف والإرهاب، عشية اتخاذ قرار بشأن القضية.

لم يوجه المغرب أي اتهامات رسمية إلى أي جهة، ولا يريد أن يستبق نتائج التحقيقات الجارية، وهذا هو السبب الذي جعله لا يقوم لحد الساعة، بأي عمل ينخرط في إطار الدفاع عن النفس ضد أي كان، رغم التحرشات والاستفزازات التي يتعرض لها، لاسيما كلما اقترب موعد الاجتماع السنوي لمجلس الأمن.

لكن وعي المغرب بمخططات البوليساريو ومن يحركها، يجعله لا ينساق وراء هذه الانتهاكات الخطيرة، التي كانت تهدف بشكل طائش إلى ممارسة الضغط على مجلس الأمن عشية اتخاذه قرار تمديد ولاية المينورسو، بل إن المغرب تحلى بقدر كبير من ضبط النفس، لحرصه على السلام من جهة وعلى التطبيق الصارم للقانون من جهة أخرى.

ولعل أكبر دليل على ذلك هو إحالة ملف الانفجارات على النيابة العامة للتحقيق فيه وفق المقتضيات القانونية المعمولة بها، مع إجراء الخبرات التقنية والباليستية لتحديد طبيعة ومصدر المقذوفات التي استهدفت المدنيين في مدينة السمارة.

لقد سمعنا ممثل المملكة المغربية في مقر الأمم المتحدة بنيويورك وهو يؤكد أن هذا العمل الإرهابي لن يمر بدون عقاب، لذلك فإن العدالة المغربية واستنادا إلى ما ستتوصل إليه من معطيات وأدلة، ستقول كلمتها بلا شك، وأنذاك ستنال الجهة أو الجهات التي وقفت وراء هذا العمل الجبان العقاب اللازم.

وهذه الجهات، هل مازالت مجهولة؟ أليست السلطات المغربية على علم بمن يستهدف ترابها؟

إن الجواب بنعم، وهو الأكيد، يتطلب ما يفيد الاتهام، وهو ما يعمل عليه التحقيق القضائي. لكن جزء كبيرا من هذا الجواب يتضمنه الاعتراف الصريح لجبهة البوليساريو باقترافها للاعتداء الإرهابي القاتل، وهذا ما أفاد به البلاغ العسكري للانفصاليين المنشور على وكالة الأنباء التابعة للبوليساريو، وهو في حد ذاته إدانة للجبهة، مادامت القاعدة القانونية تشير إلى ذلك بتأكيدها على أن "الاعتراف سيد الأدلة".

وبغض النظر عن البيان العسكري رقم 901 الذي أعلن عن استهداف مواقع بمدينة السمارة لا توجد بها منشآت عسكرية، فإن ثمة مؤشرات أخرى تضع البوليساريو محل إدانة، مع سبق الإصرار والترصد، أبرزها قرارها الأحادي خرق وقف إطلاق النار المبرم سنة 1991 تحت إشراف الأمم المتحدة.

بل أكثر من ذلك فإن ممثل البوليساريو تبنى مضمون هذا البيان علنا أمام الصحافة داخل مقر الأمم المتحدة بدعوى "الكفاح"، في الوقت الذي كان فيه مجلس الأمن قد اعتمد قراره الأخير بشأن الصحراء المغربية.

مسؤولية البوليساريو على الاعتداء الإرهابي تتضح أكثر عند إحصاء عدد المحاولات التي حاولت فيها ميلشياتها اختراق الجدار الأمني الذي يحمي التراب الوطني دون أن تنجح في ذلك، وتمطر الرأي العام بما يسمى البلاغات العسكرية التي تعد بالمئات منذ تحرير القوات المسلحة الملكية بشكل سلمي معبر الكركرات من هذه الميشلشيات التي احتلتها، ومنعت العربات والشاحنات من المرور بين المغرب وموريتانيا، وذلك في 13 نونبر 2020، وهو ما دفع البوليساريو إلى الإعلان من جانب واحد عن وقف إطلاق النار.

لقد ظلت عصابات البوليساريو أسابيع طويلة تعتدي على العابرين وتنهب الشاحنات وتوقف حركة النقل بين المغرب وموريتانيا، وهو ما استدعى موقفا حازما من القوات المسلحة الملكية التي تدخلت بالمعبر لطرد أفراد الميليشيات دون أن تطلق رصاصة واحدة.

مؤشر آخر ينضاف إلى الاعتراف الصريح بالاعتداء الإرهابي، يتجلى في عشرات الأخبار والمقالات التي نسبت الهجوم إلى جبهة البوليساريو في الصحافة الدولية، دون أن تنكر قيادتها ذلك أو تسقط المسؤولية عنها، وهو اعتراف ضمني ينضاف إلى الاعتراف الصريح.

إن نجاعة الأجهزة الأمنية والقضائية معترف بها دوليا وليست في حاجة إلى إطراء، والجميع تابع في عدد من اللحظات ندوات صحافية لممثل المملكة المغربية عمر هلال في الأمم المتحدة وهو يقدم للرأي العام الدولي وثائق وصور وحججا على تورط، سواء، البوليساريو أو تنظيمات وكيانات أخرى في استهداف المغرب.

لذلك فإذا كانت المؤشرات السابقة تحمل البوليساريو مسؤولية الاعتداء الإرهابي، فإن التحقيقات التي تجريها فرق البحث الجنائي بمهنية وفعالية ستقدم للعدالة ما يثبت هوية الكيان الذي استهدف مواطنين آمنين في عقر دارهم. وسيكون للمغرب أنذاك الكلمة الأخيرة.