بمناسبة "هاد الشي اللي واقع فغزة"، اكتشفنا أن هناك من بني جلدتنا من يدعو، بكل جدية، عبر"الفيسبوك"، لمقاطعة فورية وتامة وكاملة وفي الحين ل...الفيسبوك نفسه.
اكتشفنا أيضا أن هناك من يدعو عبر "إكس"، الذي كان يسمى "تويتر" سابقا إلى مقاطعة "إكس"، نفسه، علما أن هذا الإسم الجديد الذي اهتدى إليه إيلون ماسك (X) مبرر وجيه للمقاطعة، قبل غزة وماحدث فيها،وبعدها بطبيعة الحال...
اكتشفنا أيضا في معترك هاته الحرب المؤلمة أن معنا جنودا أشاوس، لم يسبق لهم أن رأوا بندقية في حياتهم، يطالبون بفتح الحدود بين المغرب وفلسطين لكي نذهب، زرافات ووحدانا، إلى الجهاد، علما أننا لانتوفر على حدود لحد الآن مع "الجارة فلسطين"، وبدون هزات تكتونية قوية حقا (مما ندعو الله أن ينجينا وبلادنا وأهلنا منه ونحن الذين جربنا بحزن زلزال الحوز الأليم مؤخرا)، فإن الأمر علميا وجغرافيا وطبيعيا وجيولوجيا مستحيل تماما.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
طبعا يمكنك أن تنصح، والدين النصيحة، الراغب في عملية الانتقال الجغرافي المستحيلة هاته، إذا كان فعلا مقتنعا بفكرة "الجهاد"، أن يستقل الطائرة نحو مصر أو الأردن أو إسرائيل نفسها عبر شركة "العال"،وبعدها يمكنه أن يتدبر أمره وأن يجد وسيلة للعبور إلى مناطق القتال، لكن عادة هذا النوع من الأشخاص لايتقبل النصائح، وإن كانت صادقة، وسيرد عليك بوابل من شتائم التخوين والاتهام بالصهينة وبقية ما ما إليه من علامات ضيق الأفق الذي يسمى التخلف وكفى، لذلك لاداعي.
اكتشفنا أيضا قراءا جددا ومن نوع خاص للكاتب المغربي الكبير الطاهر بن جلون. الرجل كتب مقالا في مجلة "لوبوان" الفرنسية، عبر فيه عن رأيه فيما يقع مما يمكن مناقشته فيه وقبوله أو رفضه، وقال ضمنماقال في المقال إن "حماس" بمساعدة إيران اغتالت القضية الفلسطينية، واغتالت كل أحلام السلام يوم فعلت مافعلته بالمدنيين.
طبعا هذا مجرد رأي، قد تسفهه بحجج قوية إذا كانت لديك، لكن مع القراء الجدد لصاحب "ليلة القدر"،النقاش الوحيد الممكن والموجود في السوق هو السب. لذلك وصف قراء الطاهر الجدد كاتبهم المفضل ب"الكلب"، و "الخائن الصهيوني"، و "عميل فرنسا وإسرائيل"، معا، وهو ماجعلنا نكتشف بالمناسبة ذاتها نوعا جديدا من النقد الأدبي يمكن تسميته بكل اطمئنان "النقد الكلبي"، الذي يقوم على وصف أي كاتب في الدنيا كتب شيئا لايروقك بأنه "كلب"، والسلام.
ما الذي اكتشفناه أيضا وسط كل هذا الذي يقع؟ ما الذي اكتشفناه أيضا، ياقوم؟؟
آه، تذكرت.
اكتشفنا أننا تركنا على قارعة الطريق كثيرا من عقلنا الجماعي. نسينا معنى التعليم وكنهه والمراد منه،وعطلنا العقل النقدي فينا، ورعينا بكل قوة المقاربة العاطفية لكل شيء، وهي بالمناسبة ليست أمرًا سيئا،لكنها إذا كانت أداتك الوحيدة في مواجهة كل مايقع لك في الحياة، ستجد نفسك وأنت تغضب كثيرا في هاته الدقيقة، ثم تضبط نفسك وقد نسيت سبب غضبك في الدقيقة الموالية، وشرعت في غضب جديد، يليه نسيان جديد، وهكذا دواليك.
هاته الحالة، وهي مرضية حقا (مرضية بفتح الميم والراء، لابمعنى الرضا بما أنت مصاب به)، هي التي تجعل الآخرين يتعاملون معنا باستهتار وبنظرة دونية نرعاها نحن بقوة ونواصل.
ولكم كان الساخر الجميل باسم يوسف صادقا، حين انتبه إلى أن العالم العربي كله (بمن فيه التيارالإخواني الذي كان يسبه بشدة في وقت سابق) ينوه به ويشكره على عبوره التلفزيوني الرائع والموفق فيبرنامج "بيرس دون رقابة"، لصاحبه بيرس مورغان، حيث قال الساخر الكبير للعرب الذين شرعوا في شكره لأنه قال لهم مايوافق رأيه "من عاش بمدح الناس مات بذمهم.
بكرة تقلبوا عليا تاني .
I have seen this movie before , bardo. "، لأنه يعرف عن سابق خبرة وتجربة مع قومنا أن كل هؤلاء الذين يشكرونه اليوم، سيلعنون أصل جدوده فور أن يقول لهم يوما ما أمرًا لن يعجبهم.
تلك هي المقاربة العاطفية التي أعدنا اكتشاف إصابتنا بها، وهي - للتذكير فقط - سبب كل الخيبات التي عاشها الأجداد قبلنا، وورثها عنهم الآباء (الله يرحم الناس)، واستلمنا نحن المشعل (اللواء وليس خالد قيادي"حماس" اللاجئ في بلاد أخرى غير غزة)، وعلى مايبدو، سنترك الإرث للأبناء وللأحفاد وبقية التابعين بكل هاته الأناشيد والشعارات والمحفوظات إلى يوم الدين.
ولله الأمر من قبل ومن بعده، فوحده، جل وعلا، يحمد على المكروه، وكفى.