كيف يمكنك أن تحول قضية يناصرها كل الناس في بلدك، بل وفي العالم بأسره، إلى وسيلة تفرقة بين أبناء الشعب الواحد؟
السؤال صعب، وإجابته سهلة وجدتها جماعة "العدل والإحسان"، رفقة بعض يتامى اليسار، الذين نقولدوما إنهم يعانون من العنوسة الجماهيرية، فيعوضونها بالارتماء في أحضان شعبوية العدلاويين أصحاب الأحلام والرؤى والقومة واجتياز الجدران وبقية الأشياء اللاوصف لها.
الإجابة تقول إن الاكتفاء بنصرة فلسطين في المظاهرات التي تنظم لهذا الغرض أمر لايكفي.
googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1667386526530-0'); });
لابد من توابل محلية تضاف إلى الطبخة التي احترقت، ولابد من يد طباخ ماهر (شي شوميشة ولا شيبركاش رحمه الله) تضيف لبنة الصراخ بنة التفريق بين أبناء الشعب المغربي الواحد، بأن يقسمنا إلى خونة متصهينين من جهة وإلى "ولاد الناس ضريفين"، من جهة ثانية.
طباخ السم هذا الذي لن يذوقه، عكس مايقول مثل المصريين الدارج، لايكتفي بهاته التفرقة الخطيرة في المظاهرات ، بل يمر إلى توابل ساخنة أخرى يلقيها في طنجرة الضغط (الكوكوط) قبل أن يهرب، بموجبهايرفع شعارات أكبر تريد أن تشرح للمغاربة أن "العدل والإحسان"، ومعها فلول اليسار العانس جماهيريا،هي أكثر غيرة على فلسطين من الجميع.
بموجب هاته الشعارات - وقد استطعت الإستماع لكثير منها سواء في مظاهرة الرباط الأحد، أو في مظاهرة الدار البيضاء الأربعاء- فتح خائنة، الأردن خائنة، الإمارات وكل الدول العربية خائنة، أبو مازن خائن،السيسي (أكبر الخونة)، كل الفصائل الفلسطينية، عدا "حماس" السنية و "الجهاد الإسلامي"، الشيعية (أي عدا فصائل الإخوان المسلمين) خائنة.
باختصار الجميع خائن، ووحدهم هؤلاء الصارخون لازالوا يحفظون للقضية الفلسطينية العهد، وهم كلهم - حسبما فهمت من الشعار - مستعدون الآن قبل أي لحظة أخرى، واليوم قبل الغد، للانتقال إلى مناطق القتال والتغلب على إسرائيل في الحين والتو، ومنح مفاتيح القدس لحركة "حماس"، بعد أداء صلاة الفتح، وانتهى الكلام.
عذرا، لكن ومع كل الحب الذي قد نحس به لهذه الدراما السياسية، الحكاية ليست هكذا إطلاقا.
نحن في المغرب أولًا لسنا مقسمين إلى خونة ومناضلين. نحن جميعا هنا نريد دولة لشعب فلسطين، ونحن في أغلبيتنا نؤمن بالتعايش وحل الدولتين، ونحن في غالب أغلبنا نؤمن بالسلام ونكره الحرب، ونرفض المساس بالمدنيين "من أي جهة كانت"، مثلما قال بيان ديبلوماسيتنا المغربية الحكيمة في بداية هذا الصراع.
وللتذكير فقط، وهذه ينساها هواة التلاعب بالأرقام وتوظيفها وفق الحاجة السياسية إليها- نحن أربعون مليون مغربي ويزيد، ومن الصعب على جماعة دينية حالمة أحلاما كالأوهام، مرفوقة بأناس عاشوا العنوسة الجماهيرية منذ البدء وحتى الختام أن تدعي أنها تمثلنا أو تتحدث باسمنا، أو تنوب عنا، خصوصا في قضية كبرى مثل هاته ألفنا هنا في المغرب أن نضعها في المقام الثاني - طبعا وبكل بديهية - بعد قضية المغاربة المقدسة، الأولى والمصيرية، قضية وحدتنا الترابية، أي قضية صحرائنا المغربية.
هنا في المغرب، وفي هاته نحن نتفوق على الجميع، لدينا وضوح كامل في هذا الموضوع المرتبط بالصراعفي الشرق الأوسط، تلخيصه السريع كلمة السلام، وتفصيله الأسرع: حل الدولتين، وإقامة دولة لشعب فلسطين على تراب أرضه قرب دولة إسرائيل، تكفي أهلنا الفلسطينيين شر هاته الأهوال الجسام التي يعيشونها لوحدهم، فيما الآخرون يغنون الأناشيد، ويطالبونهم بمزيد من الموت.
المغرب بكل وضوح الشجاعة فيه يريد للفلسطيني الحياة، ويريد للإسرائيلي الحياة.
الجماعات المتطرفة التي تريد فقط الموت والقتل، لاتستطيع أن تدعي بكل هاته الفداحة السريعة أنها صوتنا نحن المغاربة.
لا، صوتنا هو للحياة لا للموت، مهما ارتفع الضجيج اليوم، لأننا - وهذه نحفظها منذ قديم القديم - نعرف جيدا من منطلق نبوغنا المغربي العريق، أننا دوما وأبدا ملزمون بالإنصات للأكثر صوابا لا للأعلى صوتا.