"إيمانويل الصغير" وفرنسا الكبيرة !

بقلم: المختار لغزيوي الاثنين 25 سبتمبر 2023
No Image

لم يسبق لرئيس في تاريخ الجمهورية الخامسة في فرنسا، أن وصل في في درجة انخفاض شعبيته بين الفرنسيين، ماوصله الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون.

31 في المائة فقط من الآراء الإيجابية في حق الرئيس الذي يعرف الجميع أنه لم يفز بالرئاسيات الأخيرة، إلالأنه وجد أمامه مارين لوبين وحزب التجمع الوطني المحافظ، والذي لازالت الأحزاب السياسية في فرنسا (إلىحدود الآن على الأقل لأن مؤشرات الانتخابات المقبلة تقول أشياء أخرى) تعتبر أنه يجب الحيلولة بينه وبين الوصول إلى أعلى القرار في الجمهورية الفرنسية، أي إلى الإليزيه.

لماذا وصلت شعبية ماكرون وسط شعبه وبلاده إلى هذا الحضيض؟

الفرنسيون يجيبون بسرعة: الاكتفاء الذاتي المبالغ فيه هو السبب.

الرجل الذي وصل شابا إلى الحكم، بسبب تزامن صدف وأحداث أخرى غير صدفوية، راكم مع مضي الأسابيع والأشهر والسنوات اكتفاءا ذاتيا مبالغا فيه وصل حد تضخم الأنا، وحد العجز عن الإيمان أنه قد يخطئ يوما، أو أن معارضيه قد يكونون على صواب حين ينتقدونه، بل وحد النظر إلى الشعب الفرنسي باستعلاء غبي، واللجوء كل مرة خرج فيها الفرنسيون للاحتجاج على قرار من قراراته (وما أكثر اللحظات التي نزلفيها الفرنسيون إلى الشوارع في ولايتي ماكرون) إلى شرح تلك القرارات من فوق، بتعال وبغرور، بمايسميه "المزيد من البيداغوجية"، ولسان حاله يقول للفرنسيين: "أنتم أغبى من أن تفهموا قرارات عبقرية مثل تلك التي أتخذها، لذلك سأبسط لكم الأمور مجددا".

استعلاء ماكروني عبر الحدود، ووصل القارة الإفريقية. وبين عشية وضحاها، وجدت فرنسا أصدقاءها القدامى في القارة وحلفاءها السابقين، وهم يطلبون منها الرحيل، واكتشفت مشهد الشعوب في القارة السمراء ، أم الدنيا، وهي تحمل لافتات "macron degage”, وتلوح بأعلام روسيا والصين وغيرهما، وتقول بشكل صريح "جاء وقت رحيل فرنسا عنا".

لهاته الجمهورية مع هاته القارة قصة ضاربة في أعماق التاريخ، شئنا ذلك أم أبيناه، وبينهما حكايات وروايات وأحداث جسام، زادها ترسيخا تعاقب رؤساء كبار، رجال دولة حقا، على كرسي الحكم في الإليزيه، منذ كبير القوم هناك الجنرال شارل دوغول، وحتى صديق المغرب الكبير جاك شيراك، مرورا بساركوزي وهولاند وجيسكار ديستان وبومبيدو، بل وحتى الحكيم ميتران الذي لم يكن لا هو ولا زوجته يخفيان عدم اتفاقهما مع سياسة المغرب في الثمانينيات، لكنه كان مجبرا من موقع رجل الدولة المسير لها، على احترام المملكة المغربية، وعلى السير معها وفق الخطو المغربي الرصين، مقتنعا على الدوام أن "المغرب بلد باستثناء خاص جدا، والمغاربة شعب ودولة قد يسامحان في كل شيء إلا في أنفتهما والكبرياء واحترام الشعب والدولة هنا".

اكتفاء ماكرون الذاتي بعبقريته الفذة، جعله ينسى كل هذا التاريخ، وجعله ينزل بفرنسا من المكانة التي كانت لها، في المغرب، في إفريقيا، في العالم، وأساسا في أعين شعبها، لكي يحولها إلى دولة تسير بمنطق الشركة ، التي يأتي رئيس مجلس إدارتها كل صباح بقرار رآه ليلا في المنام، وقرر أنه صالح للتطبيق، وصارح به الجالسين معه في مجلس الإدارة، قبل أن يخبرهم مع بدء النقاش بأن "هذا القرار نهائي وسيدخل حيزالتنفيذ حالا، وآراؤهم فيه يستطيعون وضعها في المكان الذي يفكر فيه".

منطق أوصل فرنسا إلى لحظات احتقان داخلية غير مسبوقة منذ مايو 1968، إذ رأينا احتراق باريس وتخريبها، ورأينا السترات الصفراء (gilets jaunes) يقفلون كل شرايين البلد لأشهر، ورأينا حربا أهلية بين القوات العمومية (شرطة وجيش) وبين الشعب الفرنسي، ورأينا كثيرا من علامات ردة لم يردها أحد يوما لهذاالبلد ذي التاريخ العتيد والتليد، وكل هذا بسبب شخص واحد...إيمانويل ماكرون.

اليوم، السؤال لم يعد مقتصرا في طرحه على الفرنسيين وحدهم: أصدقاء فرنسا، سواء كانوا سابقين أوحاليين محافظين على ماتبقى من عرى صداقة يرفضون تصديق أنها ستنتهي، يطرحون السؤال: إلى أين يريد إيمانويل الصغير إيصال فرنسا الكبيرة داخليا وخارجيا؟

في ملفنا الخاص هذا العدد بعض من إضاءات قد تصلح بداية جواب على سؤال كبير حقا، يهمنا كثيرا نحنفي المغرب، ويهمنا كثيرا نحن في إفريقيا، ويهمنا أكثر نحن هناك في فرنسا، لأننا موجودون في كل مكان من تلك الديار، وهذه مسألة غاية في الأهمية لم ينسها أي رئيس من رؤساء الجمهورية في تلك البلاد أبدا.