المغاربة !

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 12 سبتمبر 2023
No Image

تدخل إلى سوق تجاري لكي تتبضع لوازمك، فتجد نفسك تبكي.

هل في الأمر أي عجب؟

نعم، بل هو العجب كله.

يوم الأحد الماضي كان المغاربة كلهم، في كل أنحاء المغرب، يشترون لوازم "الدار الكبيرة" التي تجمعنا، لا"الدار الصغيرة" التي يقفل كل واحد منا بابها عليه، لإخوانهم منكوبي الزلزال.

كان الشعب يقتني لأهله مايحتاجونه، وكنت ترى أناسا عاديين، لا أثر لثراء فاحش عليهم، يتركون فيصناديق أداء المتاجر الكبرى مبالغ تتراوح بين 3000 و 6000 درهم، أغذية ومشروبات وبضائع أولية ضرورية، كانت تصعد فور الخروج من المتجر إلى شاحنات تنقلها إلى الحوز المكلوم.

لم يطلب أحد من أحد القيام بذلك.

قام المغاربة فقط بمايسمونه في لغتهم ب "الصواب الواجب"، نحو أنفسهم، نحو أهلهم، نحو جزء منهم، أحسوا به وقد تلقى الضربة التي لانريدها أن تكون قاضية، ولن تكون.

تمسح دموع تأثرك وتغادر المتجر، فتجد طوابير الدم لاتزداد إلا إصرارا على الوقوف حتى القيام بالواجب كله: منح قطرات من دماء الناس للناس عساها تنقذ المحتاج إليها من الناس.

يظهر لك المعدن المغربي الأصيل، الذي تعرفه وتؤمن به، وتظل تكتب يوميا أنه هو الأصل، وأن البقية من السلوكات مجرد تشوهات عابرة سطحية لايمكن أن تكون معيار الحكم على الناس هنا أبدا.

متى يظهر المعدن النفيس؟

لحظة الجد، ولحظة الحسم، ولحظة وصول التأثر إلى أقصى مراحل تأثره حد تخلصه من كل الشكليات والمظاهر التمثيل الكاذبة، واكتفائه بالحقيقة الأولى: حقيقة الأصل الطيب الثابت فينا، الكائن داخلنا منذالبدء وحتى الختام.

هو أفضل عزاء تلقيناه في المصاب الجلل العظيم الذي مسنا الجمعة: شعبنا أمسك قلبه بين يديه، وقدمه هدية للوطن، وقال "يموت الأفراد ويبقى المغرب حيا،

تنهار الجبال على رؤوس الناس، ويبقى المغرب واقفا،

ندفن موتانا بكل حرقة وألم ويبقى المغرب قائما إلى النهاية".

كتب المغاربة، ويكتبون حاليا سطرا ذهبيا جديدا من أسطر كتابهم الأكبر المسمى "المغرب"، يعطون به الدليل مجددا على أنهم "أمة المغرب"، و "دولة المغرب"، التي وجدنا من سبقونا يغنون لها عن سابق تجربة واقتناع، وأنهم لم يظهروا فجأة، ولانبتوا من عدم.

هذه العراقة فينا أصل ثابت يجعلنا لحظة "المعقول" غير قادرين إلا على الصعود إلى الأعلى لكي نلقن الكل الدرس المغربي تلو الدرس المغربي، ولكي نعلن على رأس الأشهاد أن هذا الشعب الطيب البسيط هو فعلا أغنى شعوب الأرض قلبا وأصلا وانتسابا ثابتا لوطن يسري فينا جميعا مسرى الدم في العروق.

يجب أن يقرأ أصدقاؤنا في العالم كله، الذين يمثلون دور المستغرب لرصانة المغرب وتعقله وحكمته في التعامل مع المساعدات الدولية، هذا السطر الذي يكتبه المغاربة بكل هذا الصدق الآن.

إذا استطاعوا قراءة هاته فقط، سيفهمون بسرعة أن هذا البلد لديه أنفة وعزة نفس وإيمان بالذات، وبقية صفات تفرض عليه التسلح بالحكمة والتعقل والهدوء حتى في أحلك اللحظات وأقساها.

هذه المغربية، وهذا المغربية كبيران حتى في اللحظات التي يعتقد فيها من لايعرفهما أنهما سينهاران.

هذه المغربية وهذا المغربية هما الآن هنا، لأن أجيالا من المغربيات والمغاربة سبقوهم إلى بناء الإنسان في قلب المكان، وبناء المكان في قلب الإنسان منذ قديم السنوات والعقود والقرون.

لذلك لايتزحزح المغرب أبدا. قد تهزه هزة غادرة، وتترك على الجبين منه، وفي دواخل القلب أثر ألم صعب النسيان، لكنه لايتزحزح عن مكانه شبرا واحدا. لماذا؟

لأن وتد الثبات فيه ولديه وداخله يسمى بكل بساطة...المغاربة.