باحثة انثروبولوجيا تقتحم عالم الدعارة بطنجة

سكينة بنزين الاحد 04 يونيو 2023
No Image

AHDATH.INFO - الرباط

" احتاج الأمر مدة لبناء الثقة اللازمة للاقتراب من عالمهن وتقاسم أسرارهن" ، تقول الباحثة الانثروبولوجية المغربية الفرنسية، مريم الشيخ، جوابا عن سؤال كيفية اقتحامها لعالم فتيات الدعارة بطنجة، خلال دراسة معمقة استمرت سبع سنوات، حاولت خلالها ربط خيوط الظاهرة الممتدة زمنيا في مرحلة الاستعمار وما بعدها، والمتشعبة اجتماعيا واقتصاديا وأخلاقيا.

الشيخ التي تقاسمت الكلمة رفقة الناشطة والباحثة السنغالية "مريمة نضاي"، أمس السبت 03 يونيو، بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، حول موضوع الحركات النسائية بالدول النامية لمرحلة ما بعد الاستعمار، وما تخللتها من تغيرات حقيقية حاولت تصحيح عدد من التصورات النمطية عن النساء التي رسختها النظرة الاستعمارية، تناولت عبارة "الخروج" الدارجة على لسان المغاربة الذين استعملوا عبارات تحيل على امتهان الدعارة ، والتي اتخذتها عنوانا لمؤلفها موضوع الدراسة " les filles qui sortent " ، مسلطة الضوء على الجوانب المتوارية خلف التناول الاخلاقي للظاهرة التي تكشف تناقضات صارخة مجتمعيا، حيث يشكل المجتمع أرضية للانتشار والتواطؤ مقابل الرفض الظاهري.

"خروج الفتيات" لم يعد حسب الباحثة المغربية التي شاركت فتيات البغاء يومياتهن حين اختارت الاقامة معهن داخل غرفهن الجماعية، وتتبعت مساراتهن داخل الشوارع وعلب الليل والحانات، وعاينت شبكة علاقاتهن التي تشمل سماسرة ورجال شرطة ونافذين ... رهينا للمفهوم الضيق للبغاء، ذلك أن مراهقات من الجيل الجديد "يخرجن" بحثا عن المتعة والتحرر من رقابة الأهل ضدا على الأعراف، ما قد يحملهن مستقبلا نحو احتراف الدعارة، أو الوقوع ضحية شبكات واستغلال من طرف "متصيدي" الضحايا المفترضات داخل الشبكات ذات الامتداد الدولي.

بمعايير تتجاوز الميزان الاخلاقي، وتستعين بالمعطى التاريخي والواقع السوسيو -جيوسياسي، حاولت الضيفتان تسليط الضوء على تداعيات ممارسات مؤذية للنساء كختان الفتيات وتشويه اعضائهن التناسلية بأفريقيا، وتبعيتهن المادية للرجال التي تنتهي باستغلالهن من الرجل/ مالك المال، مع الدعوة لتبني فكر نقدي يسائل الافكار الجاهزة الخاضعة لتحليل كلاسيكي ضيق يهمل تداخل عدد من المعطيات التي سرعت التكنولوجيا الحديثة في تعميق نتائجها السلبية وبطأت طرق التعاطي معها.

الباحثة المغربية الفرنسية، المتخصصة في رصد التغيرات الاجتماعية والاخلاقية بين صفوف شباب الطبقات الشعبية بالمغرب، أبدت تحفظها على مصطلح " الدعارة الراقية"، مشيرة من خلال ملاحظاتها وقربها من فئة ممتهني البغاء اللواتي وصفتهن بعد فترة من الاحتكاك بهن، بأنهن تحولن لصديقات لها؛ مشيرة أن عبارة الدعارة الراقية تحمل الكثير من المغالطات وتوحي بنوع من الاستقرار أو الرخاء المادي، وهو ما يناقض الضغط اليومي التي تعيشه الفتيات خلال "خروجهن" بحثا عن الزبون المفترض، حيث المنافسة الشرسة والاستغلال من طرف الشبكات والتضييق والمساومات ...

وفي النقاش الذي احتضنه معرض الكتاب بالرباط، نبهت الباحثة لاتساع مفهوم "الخروج" الذي لم يعد حكرا على ممتهنات الدعارة، حيث انخرط جيل جديد من مراهقات وشابات الطبقات الشعبية في هذه الممارسة، كنوع من التحرر من الأعراف والعادات تماشيا وازدهار نمط جديد من اقتصاد الترفيه وتحولات جذرية في التعاطي مع النظام الجنسي الذي كان مضبوطا بنظام الزواج لغير ممتهنات الجنس.

وفي ختام النقاش اكدت المتدخلات على ضرورة توسيع نطاق التعاطي مع ظاهرة الدعارة، بعيدا عن الميزان الأخلاقي الذي لن يسعف على فهم ظاهرة تتداخل فيها التنشئة الاجتماعية والأسرية والمدرسة، والقانون، وسوق الشغل