البدراوي: درس في السوريالية !

الأحداث المغربية الجمعة 26 مايو 2023
No Image

البدراوي فكرة، والفكرة لاتموت. سوى أنها في الرجاء، وفي كرة المغرب كلها، تصبح خاطرة تراود الذهن عن نفسه، فيأبى وإن قالت له "هيت لك"، أو تصبح وسواس شيطان مارد يعطينا أسوأ النصائح كل لحظة، ويصور لنا أننا نستطيع ذات يوم بهذا النوع من المسيرين الذين يحتلون "الفوتبول" المغربي، في كل الشوارع و "فكاع المدون"، أن نصل إلى العالمية.

لماذا جاء الدكتور عزيز إلى الرجاء؟

لاأحد في المغرب الكروي كله لديه جواب واضح، صريح، شجاع عن هذا السؤال.

طيب، لماذا رحل نفس الدكتور عزيز عن الرجاء؟

مرة أخرى، لاأحد في المغرب الكروي كله، لديه جواب واضح عن هذا السؤال.

قلة قليلة كانت تعرف الرجل وتعرف أنه يشتغل في قطاع "الزبل" في المغرب وفي إفريقيا، قبل أن يعلن أنهقادم لكي "يبلبلها" داخل الرجاء بداية الموسم الذي نستعد لتوديعه.

وقلة أقل بكثير كانت تعرف أنه مهتم بالرياضة، وأنه رجاوي، وأن لديه مشروعا لهذا الفريق المغربي الخاص من نوعه.

فقط الراسخون في علم الكرة مثلما ترتكب في المغرب، كانوا يحركون رؤوسهم بشكل يوحي بالذكاء والحكمة،أو يتظاهر بهما كاذبا، حين كنا نسأل "شكون هاد البدراوي اللي جاي للرجا؟"، وكانوا يشيرون بأعينهم في كل الاتجاهات ليشرحوا سبب النزول، وكأنهم يقولون للسائلين "لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".

جاء إذن الدكتور عزيز إلى الخضراء، وأمضى معها قرابة الموسم أو يكاد، بدأها بديربي انتصر فيه أو كاد، ثم ديربي انهزم فيه أمام مقاعد فارغة في ملعب الطاس، وأنهاها بوصلة تعذيب نفساني له ولجمهور الفريق فيإذاعة "مارس"، في خرجة إعلامية، كانت، للصدفة الماكرة، هي أفضل خرجات الرجل منذ أتى، وإلى أن رحل.

لماذا كانت الأفضل؟

لأنها الوحيدة التي تحدث فيها وهو يعرف أنه "مابقا عندو مايصور من الرجا"، وأتاها وهو متأكد أن أفضل شيء يمكن أن يقع له في حياته، هو أن يغادر رئاسة هذا الفريق حالا وفورا، ودون الإبقاء على شيء.

لذلك بكى وهو يتذكر أن الجمهور سب له والدته، ولذلك عدد أفضاله على الفريق، وكشف أنه صرف مليارينويزيد من ماله الخاص على الفرقة، ولذلك شتم بيسر وسهولة "الحياحة" أو "المحيط" الذي يعيش على حساب الرجاء، ويرتزق من أزماتها، ويدخن المارلبورو، ويذهب إلى الأندية الليلية ويأكل ويشرب وهو عاطل، وكل هذا بفضل "التحياح" لهذا، و "التحياح" ضد الآخر.

نسي الدكتور عزيز أن يقول إنه هو الآخر أراد من "التحياح" أن يكون سندا له، وحاول اشتراء الصفحات والجمهور وبعضا من الحياحة، لكنه لم ينجح، لأنه وجد العرض والطلب معا منتهيين، فذهب إلى الزملاء في"مارس"، وبكى كثيرا، قولا وفعلا، وقال لسعيد الناصري "هانا مشيت"، ومضى.

وبالنسبة لبلد وصل إلى نصف نهاية المونديال منذ أشهر قليلة، وبالنسبة لفريق وصل إلى نهائي مونديال الأندية منذ سنوات، وبالنسبة إلى كثير من الأشياء، سيظل الدكتور عزيز فكرة، أتت بغتة ومضت سرعة،وماقصرت مع ذاك القصر، مثلما يقول أصحاب الآلة الأندلسية، وهم يمارسون التوسيد، أي ضرب اليد معالركبة لضبط الإيقاع، ولتفادي أنهم "يطيحو ميزان".

فكرة افتقدت القدرة على ضبط الإيقاع، و "طاحت ميزان"، منذ البدء، بل من الخيمة الخضراء، خرجت مائلة،مثلما كان يخرج من "كيطونه" العقيد المضحك امعمر القذافي أيام صولاته وجولاته، مرتديا العباءةالغريبة، والنظارات الشمسية الأغرب، ملوحا بقبضته في وجه الغرب اللعين، والشرق اللعين، والجنوباللعين، والشمال اللعين، أي في وجه كل اتجاهات اللعنة، مهددا الكل بالويل والثبور وعظائم الأمور، قبل الموت سحلا على يد أبناء شعبه وأمام أنظار الكاميرات، دون أن يفهم هو لماذا يموت بهذا الشكل، ودون أنيفهم أبناء شعبه، وهم يقتلونه، لماذا هم ماضون في هذا الفعل الغريب.

البدراوي فكرة، وهذه الفكرة التي لازالت توسوس لنا بالتجريب الدائم والمستمر في كل المجالات، منتظرين المعجزات، رغم علمنا أنها لن تقع، هي فكرة في المغرب بالتحديد...لاتموت.

باختصار، هو درس جديد في السوريالية، عشناه جميعا، أكلنا معه ساندويتشا ضارا لكن لذيذا قبل المباراة، وساعدنا على الدخول دون تذاكر إلى "دونور"، فساعدناه نحن بالمقابل في رفع "التيفو"، وغنينا رفقته"ماريخوانا، كوكا"، ثم صفر الحكم نهاية المباراة معلنا هزيمتنا جميعا، وانتصار "الفار"، فحركنا الرؤوسمجددا ونحن نغادر الملعب دلالة أننا فهمنا المقلب بعد فوات الأوان، علما أننا مجددا لم نفهم، لكننا مجددا نلعب دور الذين استوعبوا كل الأشياء.

المهم...البدراوي فكرة، والفكرة...الخبار فراسكم، وكفى.