أغرب الفتاوى (2) .. تحريم القهوة والحكم بإعدام المجاهر بشربها!!

بنزين سكينة الخميس 30 مارس 2023
No Image

AHDATH.INFO

ربما تكون واحدا من بين الملايين حول العالم الذين لا ينضبط إيقاع يومهم إلا بتناول كوب قهوة صباحي، وفجأة تصدمك فتوى تحريم تجعلها في حكم شرب الخمر.. الأمر قد يكون غريبا بالنسبة للبعض، لكن مواقع الفتاوى تعج بمئات الأسئلة لأشخاص يستفسرون عن حكم شربها، بعد أن سمحت مواقع التواصل في إحياء النقاش حول حكم احتساء هذا المشروب، الذي بقي لما يزيد عن ثلاثة قرون ضمن لائحة المشروبات المحرمة أو غير المباحة.

تشير المصادر إلى أن أول من تناول ثمرة البن، كان أحد متصوفة اليمن، علي بن عمر بن إبراهيم الشاذلي في العام 828 للهجرة، والذي لاحظ بعد تذوق ثمارها أنها تزوده بجرعة من النشاط الذي يحتاجه كمجتهد في العبادة، ليبدأ انتشارها بين صفوف مريديه حتى أطلق عليها لقب "خمرة الصالحين" أو "مشروب الصالحين" لارتباطها بالمتصوفة.

إلا أن خروجها من دائرة متصوفي اليمن الذين كانوا يأخذونها معهم خلال أسفارهم للحج أو مصر، جعل الناس ترتاب من هذا المشروب الداكن مر المذاق، خاصة أن تسميته بالقهوة خلق الكثير من الارتياب، لكون "القهوة" اسما من أسماء الخمر عند العرب، لذلك توارث الناس في كل البقاع تسميتها بقهوة البن أو القهوة السوداء، لتمييزها عن الخمر المعروف بلونه المختلف، وكان سبب إطلاق اسم القهوة على مشروب البن، استنادا على كونها "تقهي شاربها" أي أنها تذهب بشهوته للأكل وتجعله زاهدا في الطعام، وهذا بالضبط ما يحتاجه الزهاد الراغبون في الاكتفاء بالقليل من الطعام مع الحفاظ على نشاط السهر ليلا للتعبد، وهو ما تم التوثيق له ضمن مؤلف «ملامح القاهرة في ألف عام» لجمال الغيطاني الذي أشار فيه أن: «أول من اهتدى إليها حيث كان يمر في سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته، فوجد فيه تجفيفا للدماغ واجتلابا للسهر وتنشيطا للعبادة، فاتخذه طعاما وشرابا.. وأرشد اتباعه إليه"، ما أشعل النقاش بين الفقهاء الذين ذهب بعضهم لتكفير شاربها، بينما أصدر سلاطين أوامر بجلد شاربها ومعدها وبائعها وأحيانا كان الحكم يصل للإعدام.

وفي أوائل القرن 18، أفتى الشيخ علي أحمد السنباطي بتحريم شرب القهوة باعتبارها "مادة مسكرة مخدرة للعقل"، الأمر الذي دفع القائمين على الحسبة إلى مهاجمة أماكن إعدادها وتكسير أوانيها وتجريم الجهر بتناولها، وتظهر العديد من عناوين الكتب ورسائل العلماء، شدة النقاش الدائر حول هذا المشروب المستجد، مثل «عمدة الصفوة في حل القهوة» للشيخ عبد القادر الأنصاري، و«رسالة عن القهوة والدخان والأشربة المحرمة «للشيخ مصطفى الأقحصاوي، و«أرجوزة فى تحريم قهوة البن» للشيخ نور الدين العمريطي.

وقد امتد الخلاف بين المفتين أنفسهم، حيث تشير المصادر إلى أن مفتي مكة الشيخ نور الدين بن ناصر الشافعي، تعرض للتكفير لأنه دافع عن القهوة ولم يعتبرها من المحرمات، كعدد من المفتين الذين اعتبروها مباحة لذاتها لكنها محرمة لما يرتبط بها من مظاهر الاختلاط والمجون والكلام البذيء وفق ما تحجج به محرموها، ما دفع التجار وأصحاب المقاهي لمطالبة الشيخ السنباطي بالعدول عن فتواه التي تسببت في تعرضهم للهجوم، لكنه تمسك بالقول أنها مشروب حرام لكونها تؤثر على العقل.


ومما تذكره المصادر، أن شد الحبل بين المفتي وعشاق القهوة، انتهى بمحاصرته داخل المسجد، ما اضطر السلطان للاستعانة بقاضي القضاة محمـد بن إلياس الحنفي، الذي أفتى في نهاية الأمر بعدم تحريم القهوة بعد نقاش مستفيض، لتتحول بعدها إلى مشروب شبه نخبوي، حيث وصفها الشيخ جمال الدين القاسمي في كتابه» رسالة في الشاي والقهوة والدخان» بأنها "مشروب الكتاب والمدرسين والمطالعين للكتب والمعلمين للعلوم الأدبية والصناعية والشعراء وأهل الأدب".

ويلاحظ أن الفتوى التي أحلت شرب القهوة، لم تنجح في إغلاق قوس الجدل بطريقة نهائية، حيث بدأ التعاطي مع القهوة يخضع أحيانا لاستغلال سياسي من طرف السلاطين العثمانيين الذين أحيوا فتاوى تحريمها في بعض المحطات، بعد أن انتشرت الفضاءات المخصصة لشربها، لتشكل مناسبة لفتح نقاشات حول الأوضاع السائدة، فعلى سبيل المثال عرف عهد السلطان مراد الرابع الذي تولى الخلافة عام 1042 هـ 1623 مـ، إصدار قرار يحرم شرب القهوة، ويأمر بقطع رأس من يجاهر بشربها، بدعوى أنها «تنبه عقول الناس وتزيد غضبهم ضد السلطان والتخطيط للنيل منه حيث يجتمع الخلق في بيوت القهوة وتدور المعازف والغناء والحديث في شؤون البلاد ويكثر اللغط والغلط».

وقد أدى هذا الرفض للقهوة إلى تداول أحاديث نبوية عن تحريمها، من قبيل «من شرب القهوة يحشر يوم القيامة، ووجهه أسود»، وهي الأحاديث التي أكد العلماء كذبها على الرسول عليه الصلاة والسلام، لكون انتشارها بدأ بعد قرون من وفاة النبي في محاولة لترجيح كفة المحرمين لها، وتحديدا في القرن 10 هجري /16 ميلادي، ما خلق انقساما قويا بين العلماء وفق ما تكشفه عناوين المؤلفات التي أشار لها كتاب "التاريخ الثقافي للقهوة والمقاهي"، الذي تحدث عن رسالة تحريم القهوة للشيخ الحكمي الكازروني، مقابل مؤلف للدفاع عنها للشيخ أبي بكر المكي، تحت مسمى "إثارة النخوة بحكم القهوة".
ورغم حسم العلماء المتأخرين في حكم هذا المشروب، إلا أن هناك آراء معاصرة تحاول نفض الغبار عن حكم التحريم، تحت مبرر كون الإدمان على شرب القهوة قد ينتهي بصاحبها لإدمان غيرها كالسجائر والمنبهات، وقد اعتبرها بعض الدعاة بابا من أبواب ضياع الوقت والتشجيع على المحرمات لاقترانها بالجلوس في المقاهي التي تجشع على الاختلاط بين الجنسين.