الفنانة التشكيلية المغربية فوزية المفضل.. ابداعات فنية تراقص الروح

محمد معتصم الخميس 16 مارس 2023
No Image

AHDATH.INFO

تؤمن بأن المبدع الحقيقي يضئ العتمات ، ويعمق الادراكات الفردية والجماعية . انه انسان عميق بكل معنى الكلمة ، عاشق للجمال والخير والحق ، وكائن يفيض بالكثير من النبل والكرامة والسمو . فالفن عندها ، ليس ثروة مادية فحسب ، بل ثروة روحية ، بقول الكاتب والمسرحي والشاعر النيجيري وول سوينكا : " الجسد خدعة جغرافية ، والروح حقيقتنا " . هكذا هي الفنانة ذات الحس الجمالي والفني المرهف فوزية المفضل ، الفنانة الهادئة في الروح ، والمشاغبة الأنيقة في الفن وفي الابداع والجمال .

الفنانة فوزية المفضل ـ تعيش بين مدينتي الرباط والصويرة ـ اكتشفت الرغبة الملحة في القول التشكيلي منذ زمن من طفولتها الحالمة ، فداعبت عددا وافرا من الأساليب الصباغية ، كما خبرت مجموعة من التقنيات والمهارات في مجال التلوين التركيب ، لأنها تحمل في دواخلها هواجس البحث في عوالم الفن التشكيلي الرحب والعميق ، انها تعشق اللغة التشكيلية ، لأنها جوالة ليس فقط في الاماكن والوضعيات الانسانية ، وانما في التجارب الاسلوبية ، والاتجاهات البصرية .انها مشبعة بالحضور ، متفاعلة مع سحر اليومي بكل مقوماته الطبيعية والبشرية . هكذا تسجلي بأسلوبها الغرائبي عوالمنا المؤسطرة بلغة ايحائية لا تقريرية فيها ولا منبرية فوتوغرافية ، الأمر شبيه بتعليق شعري على كياننا الوجودي الذي أرادته فنانتنا أن يكون جزء من حياتنا اليومية بكل دلالاتها ، أحلامها وانكساراتها ....

في قراءة في تجربتها الصباغية الحالية نقف عند اشتغالها على اللغة الصامتة للإيقاع بكل تنويعاته ، وابدالاته ، ويحيل مقتربها البصري في عملها التشكيلي والرمزي ، على الجوهر الانساني للوجود . انها ترسم الايقاع المتعدد بدل أن تكتب أو تتكلم ، لكن ما تبرزه يحدثنا ويمنحنا متعة التعبير عن أبجدياتنا الأولى . فعلى غرار الجميل ، يدل الايقاع على شيء أخر يتجاوز الظاهر . ان الايقاع في أعمال التشكيلية فوزية المفضل تمظهر تجريدي للفكرة والحلم معا ، فهذه الخصوصية تضفي على تجربتها الحالمة والواعدة قوة بلاغية ، اذ الايقاع حكيم مثل الصورة.

زيارة لمحرابها التشكيلي بمدينة الرباط تكتشف سر الابداع الفني في لوحاتها التي تستمد جزءا كبيرا منها من عوالم مدينتها الحالمة والعاشقة موكادور الساحرة بإيقاعاتها الموسيقية ، موسيقى كناوة المفعمة بحركات الجسد والروح ، في تمازج ايقاعي باذخ ، انها تعزف لغة الروح ونبض دواخلها الفياضة بتموجات وذبذبات لونية فاتنة جذابة ومتناسقة ، انها ترسم بحس مرهف ، وبرؤية أفقية منفتحة على عوالم الفن الروحي في كينونته وعمق احساساته ، توظف الآلات الموسيقية في أعمالها الابداعية بدقة متناهية ـ الة الهجهوج ، القراقب ، السانتير... ، بدون تشويش ، أو فوضى وهي العازفة المتمكنة على الة القانون ، ومواظبة على الكورال والموسيقى الروحية والطربية بامتياز ، هكذا تشتغل الفنانة فوزية في محرابها ليلا على اعتبار أن التشكيل يأتي ليلا كما الشعر .المادة حاضرة في أعمالها فهي تستعمل الرمل ، والخشب والأرز والورق ، كما توظف اللون توظيفا أنيقا ، حيث لون الأرض ، لون البدايات والنهايات الى جانب اللون البرتقالي " أورونج " الأقرب الى روحها وهي العالمية بذلك ، اضافة الى الرموز والوجوه النسائية ...

وحول الولع الابداعي ، تقول الفنانة فوزية المفضل :" لقد وجدت في التصوير الصباغي الوسيلة الأكثر ملاءمة مع شخصيتي ، اذ أعشق حد الجنون هذا الفن الراقي الذي سحرني بجماله وبعوالمه الرحبة والممتعة ، فهو يمنحني لذة استثنائية وسعادة اضافية ، فعندما أكون أمام بياض القماش ، يعطيني الانطباع بأنني أمام صفحة بيضاء ، حيث تشكل كل لوحة قصة جديدة من قصصي المتعددة والكثيرة . أما التصوير الصباغي فيمنحني الطاقة لكي أعيد تشكيل العالم بدون اي ادعاء . فعبر فضاء اللوحة أسافر بدون جواز سفر، اذ أعيش ألف انطباع وانطباع من اعداد الفكرة الى انجازها وبمجرد ما يتم توقيع اللوحة ، أتخلص من كل مصادر القلق و الارهاق لأنها تتحول الى محطة لتأصيل لحظة هروبية . وهذه هي اللذة والمتعدة والجمال.

لوحات الفنانة التشكيلية فوزية المفضل تتقاطع ولا تتشابه ، هاجسها المشترك هو استنباط حالات الروح وهي تكابد جراحات الواقع وتناقضاته الصارخة ... ثمة شيء يشبه القلق وحيرة العارفين ...كل اللوحات تتنفس هواء الرفض ، لكنها تمتلك الحق في الحلم وفي الحياة وفي الجمال وفي مستقبل يحضنه الأمل والحب.

فوزية المفضل مبدعة في الظل ...فنانة مثقفة تطور شغف نفسها وتغامر في البحث عن التجاذب والتعالق بين الفن والحلم والحياة ، فهي دائمة التوقد كطفلة تعيش مخاض الكشف والمكاشفة وتفتح للوحة بوابات الدلالات اللانهائية ، تنقيبا عن جدورنا المشتركة.

مسار الفنانة التشكيلية فوزية المفضل انطلق بأول معرض فردي بدار الثقافة 1991 ، ثم معرض فردي ثان بمكتبة كليلة ودمنة بالرباط 1992 ، وبعده معرض جماعي بالمركز الثقافي أكدال الرباط سنة 2019، وقبله معرض جماعي بقاعة المنزه بمدينة الصويرة سنة 1989 .