مكاسب المغرب من تنظيم كأس العالم بعيون الاقتصادي يمني

الأربعاء 15 مارس 2023
No Image

* قرر المغرب التقدم بملف مشترك رفقة كل من إسبانيا والبرتغال.من أجل تنظيم كأس العالم لكرة القدم نسخة 2030. بداية كيف استقبلتم هذا القرار؟

** في البداية يجب أن نذكر بأن المغرب سبق أن كان مرشحا مرات لتنظيم نسخ 1994،1998،2006، و2010 لهذه التظاهرة العالمية الكبرى، لكن لم يتأت ذلك بسبب عوامل عديدة. لكن الاستثناء هذه المرة هو أن ملك المغرب من أعلن ترشح المغرب باشتراك مع إسبانيا والبرتغال. لقد استقبلت هذا الحدث غير المسبوق بفخر وفرح كبير، وكما سبق أن رددت في كثير من المحافل، المغرب لايدخل إلى التاريخ بل يعود إليه. المغرب اليوم رائد السلام والتعايش وبناء التعاون شمال- جنوب، وجنوب- جنوب، هذا التعاون المبني على العدالة الاقتصادية والتشاركية في الابتكار والعلم والقيمة الإنسانية والاجتماعية والقيمة المضافة الاقتصادية. وكما أشار إلى ذلك جلالة الملك، فإن هذا الترشح المشترك هو بمثابة ملتقى بين إفريقيا، وبين شمال البحر المتوسط الأوروبي وجنوب البحر المتوسط الإفريقي العربي.

* ماهي فرص الدول الثلاثة للظفر بشرف تنظيم نسخة 2030؟

** استبعاد أوكرانيا من الثلاثي لعوامل متعددة ومن أهمها التوتر الجيو-سياسي الذي يتسبب الآن في الحرب التي تشنها روسيا على هذا البلد،واختيار المغرب بدل ذلك، وفتح الباب أمامه يعد ورقة رابحة. المغرب الذي بات يتوفر على بنية تحتية جيدة وتوفره كذلك على خبرة مشهود بها في تنظيم التظاهرات الكبرى، فضلا عن قربه الجغرافي وأيضا الدعم والتأييد المرتقبين من الاتحادات الإفريقية والأسيوية لكرة القدم، كلها عوامل تمثل نقاط قوة لف الدول الثلاثة. على العموم نحن نعرف أن كل اتحاد قاري يصوت ككتلة. بين إفريقيا وآسيا، يمكن للغرب أن يستقطب أكثر من 101 صوت. على مستوى كل من إسبانيا والبرتغال، هناك أصوات أوروبا وأمريكا الشمالية وهذا وارد جدا. لكن أعود للتأكيد أن هذه الكأس ستكون مرآة لشراكة أورومتوسطية ،وأورو إفريقية مليئة بالأمل والنمو بين مشروعين. مشروع العولمة التكنولوجية ومشروع العولمة الديمغرافية.

في الجهة المقابلة، هناك الملف المشتركة لكل من الأرجنتين والشيلي والأوروغواي والبراغواي. صحيح أن هناك الذكرى المائوية لميلاد أول نسخة لكأس العالم التي احتضنتها الأوروغواي في 1930، لكن كيفما حللنا وقارنا، فإن الكفة تميل بما لا نهاية إلى المشروع الإنساني التقدمي للامبراطوريات التاريخية الثلاث المغرب، إسبانيا والبرتغال. وقبل ذلك هناك الرسالة الملكية القوية من قلب إفريقيا، عندما أعلن جلالته بأن الطموح الذي يحمله لبلده المغرب هو طموح كبير ومندمج مع طموحها للقارة الإفريقية. لذلك وبالنظر إلى ما يعرفه العالم من تقلبات في التوازنات، أرى كأس العالم ستكون جسرا مستقبليا بين إفريقيا وأوروبا.

* ماهي الانعكاسات الاقتصادية لهذا التنظيم المشترك؟

** بداية أود أن أشير إلى أن الديبلوماسية الرياضية أضحت من مكونات السياسات الخارجية للدول، كما أنها أصبحت عاملا مهما في استراتيجيات الذكاء الاقتصادي. لهذا نلاحظ ، منذ وصول فوزي لقجع إلى رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والأداء الاستثنائي للمنتخب المغرب بقطر وقبل ذلك أداء الفرق المغربية في الاستحقاقات القارية، حجم إشعاع المملكة على المستوى القاري والدولي ديبلوماسيا واقتصاديا. المغرب قرر الاستثمار في الرياضة وفي كرة القدم. صحيح أن عائدات وأرباح الاستثمار غير قابلة للقياس الكمي من حيث القيمة المضافة والمساهمة في النمو الاقتصادي، لكننا كاقتصاديين نعرف المغرب سيحصد نتائج على مستوى السياحة واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

بالعودة إلى سؤالك، وإذا تحقق حلم استضافة نسخة 2030، أذكرك في هذا الإطار بما جنته إسبانيا، شريكتنا اليوم، جراء تنظيمها لنسخة كأس العالم لسنة 1982. لقد تمكنت جارتنا الإيبيرية جراء تنظيمها لتلك الكأس من رفع الدخل الفردي لمواطنيها من 4500 إلى 14 ألف و500 دولارا سنويا، كما أنجزت آلاف الكيلومترات من الطرق السيارة. إسبانيا حركت الجبال، نجحت في تحديث سككها الحديدية التي كانت مقاعدها من الخشب، ضاعفت إنتاجها 2.5 مرة. إسبانيا غادرت تحت تأثير ودفع القاطرة الأوروبية العالم الثالث، إسبانيا غدت الآن رابع قوة اقتصادية بالاتحاد الأوروبي.

بالنسبة للمغرب الذي يعرف إقلاعا اقتصاديا وصناعيا استثنائيا بالمقارنة مع الاقتصادات المماثلة ورغم بعض المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الماثلة الآن، إلا أنه سيكون الرابح الأكبر من تنظيم كأس العالم رفقة إسبانيا والبرتغال وهو المثلث الذي أصفه بمثلث الأمل والازدهار المشترك. الأكثر من ذلك، سيعرف المغرب انعطافة جديدة وتغييرا اقتصاديا واجتماعيا وقاربا مع أوروبا الشريك الاقتصادي الأول، فضلا عن اندماح أكثر للمملكة مع محيطها الإفريقي، وهو ما يمثل جسرا للتواصل اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا وبأبعاد متعددة كما أسلفت من قبل. السياحة،سلاسل القيمة العالمية، تنقل رؤوس الأموال والكفاءات، سيكون العنصر المركزي لهذا الحدث العالمي، لأنه سيكون نتاجا للعولمة المزدوجة التي تراهن على دخول الدول الصغيرة في تكتلات جغرافية اقتصادية تطبع العالم الجديد.

عبد الغني يمني اقتصادي وخبير السياسات العامة