رحلة النزول !

الأحداث المغربية السبت 18 فبراير 2023
No Image

أتابع هاته الأيام بشغف النقل المباشر لجلسات البرلمان الفرنسي الذي يناقش مقترح إصلاح أنظمة التقاعدهناك.

ستقولون لي "لماذا تتابع جلسات برلمان أجنبي؟"

سأجيبكم أنني لازلت - مثل غيري من المغاربة - أنتظر خروج القناة البرلمانية المغربية إلى الحياة، مثلماوعدنا المسؤولون منذ حوالي الخمسة عشر سنة، وفي انتظار ذلك، هاهي قناة LCP تفي بالغرض وتقدمأشغال اللجان في أرض الخالة فرنسا، وتقدم معها الجلسات العمومية الخاصة بالأسئلة الشفهية.

مسألة نتفق نحن وفرنسا فيها الاتفاق الكامل: مستوى السياسيين.

انحطاط النقاش على مايبدو ليس أمرًا حصريا لدينا، ولا هو ذنب مغربي خاص.

انحطاط مستوى النقاش السياسي علة عالمية، وفي جلسات البرلمان الفرنسي، يتم بين ساعة وأخرى رفعالجلسات كل مرة من أجل تدارك هفوة كلام ندت عن نائب هنا، أو من أجل تقديم اعتذار بسبب تجاوز لفظيهناك.

وبالنسبة لي أنا الذي كنت أعتقد أنني شاهدت في برلماننا المغربي مايكفي من الهفوات لكي أعتبره الأسوأفعلا، أنا مضطر للاعتذار، لأن ماأراه هاته الأيام في برلمان "القديمة" فرنسا أمر أسوأ بكثير.

ويبدو أننا ملزمون بالاقتناع بها وكفى: مضى عهد الساسة المتكلمين الذين كانوا يتحدثون من مرجعيةثقافية وفكرية ولغوية عالية، وأتى زمن الراغبين في الكلام "وصافي"، هنا وهناك وفي كل مكان، حتى وإن لميكونوا قادرين عليه.

هذه البديهية، وفهمها، ثم استيعابها والقبول بها، هي مقدمة طيبة لتلقي أي شيء نراه اليوم في وسائلالإعلام، التي لم تعد تعطي أحدا حتى فرصة التراجع قليلا لسماع نفسه ورؤيتها.

كل واحد منا يعتقد نفسه الأفضل، ويعتقد الآخرين سيئين.

وكل واحد منا عندما تسأله عن أدائه هو سيقول لك "رائع"، وعندما تسأله عن البقية سيقول لك "رديئون".

السبب؟

افتقادنا جميعا لحاسة السمع.

لم نعد قادرين على الإنصات لبعضنا. أصبنا بمرض الإنصات للذات وكفى، الانبهار بالمونولوغ الداخليالدائر بيننا وبيننا.

الآخرون، بكل اختلافاتهم التي تصنع غناهم لايعنون لنا شيئا. لذلك لانكترث بهم، ولذلك نتشنج حينالاختلاف العابر البسيط معهم، ونشرع في سبهم وشتمهم والانتقاص منهم، معتقدين أننا نحل الإشكال.

في فرنسا، كما في المغرب، كما في العالم كله، انحدر مستوى النقاش العام انحدارا يليق بنا، ذلك أننا فيالنهاية لاننال إلا مانستحق...

و "بيناتنا وماتخدوهاش مني قلة الصواب"، نحن فعلا نستحق هذا التردي، في انتظار بزوغ جيل جديد-نعول عليه - يكون قادرا على الرقي وعلى الارتقاء...

المهم، أنا مشغول هاته الأيام بمشاهدة برلمانيي (الصديقة العتيقة) فرنسا، وهم يناقشون تقاعد الفرنسيين.