فرنسا..العاجزة عن الفهم !

بقلم: المختار لغزيوي السبت 11 فبراير 2023
No Image

هو ليس سوء تفاهم.

هو فقط عجز عن الفهم من جانب واحد.

فرنسا لاتريد أن تفهم أن الزمن تغير، وأن المغرب تغير معه، وأن الصداقة لاتعني التبعية العمياء، فقط لاغير.

البقية، كل مايقع أو جله، مجرد انعكاس لعدم القدرة الفرنسية هاته على الفهم. ومع التعالي من جانب منكان يعتقد نفسه دائما الأقوى، والأذكى، والأجمل، والأعظم، يصبح العجز عن الفهم غباءا حقيقيا.

وفي السياسة، كما في الحياة كلها، ليس هناك ماهو أسوأ من الغباء.

لذلك تمر علاقتنا بفرنسا بمرحلة غير طيبة كثيرا، يجب الاعتراف بذلك، بسبب كل هذا الغباء المسبب للكره من جانب واحد.

يبني اليوم السيد إيمانويل ماكرون كل سياسته، داخليا وخارجيا، على ماتسميه معارضته هناك في باريس منطق « en même temps»»، هو يريد بهذا المنطق هاته وتلك، لكن الأمر غير ممكن لاداخليا ولاخارجيا.

يريد في الداخل أن يكون يساريا ويمينيا وفي نفس الوقت وسطيا، لذلك يخلق الارتباك هناك.

ويريد في الخارج أن يكون صديق إفريقيا الأول وفي الوقت ذاته المتحكم الذي لاترد له فيها كلمة، ولو على حساب مصلحة القارة كلها، ولذلك يخلق الارتباك هنا.

بالنسبة للمغرب الأمور واضحة: فرنسا هي أكثر الدول الأجنبية قربا "عاطفيا" لنا، لكننا بلد فهم جيدا أن العاطفة ليست خيارا استراتيجيا ناجعا. هي تنفع حين التعاون الصادق الصديق، مكملا "غذائيا" مساعداعلى المزيد من التعاون الصادق الصديق، و "باسطا" أو "بس" أو "صافي".

مصالح بلدنا هي الأولى، ماينتظره مستقبلا هو الأهم، وإذا كان ضروريا أن نضع العاطفة (كلها أو جلها) جانبا في سبيل الدفاع عن مصلحة المغرب أولًا، فلن يتردد أحد هنا في ذلك.

الكل، كالعادة سينخرط في الدفاع عن هاته المصلحة المغربية المسبقة على ماعداها، وإن كلفنا هذا الانخراط الشيء الكثير.

ثم على فرنسا العاجزة اليوم عن الفهم أن تفهم الشيء الأهم، وإن كان الأمر صعبا بعض الشيء: نحن لسنا تونس، ولا الجزائر...نحن المغرب.

لفهم هذا التفصيل الصغير صفحات كبرى من التاريخ يجب أن يعود إليها السيد ماكرون، وهو قارئ نهم،ومحب اطلاع يحكى عنه أنه نجيب منذ كان في المدرسة، يثير إعجاب أساتذته الذين تنبؤوا له وبالمستقبل الزاهر الواعد في السن الصغير، وكذلك كان.

لعبة ضرب المغرب الكبير بحكام في الحزائر مزمنين يريدون البقاء بأي ثمن، أو بحاكم غريب يريد لعب دور"الباي" الجديد في تونس، وهو لايمتلك إلا خطابة المومياءات موهبة واحدة تضحك الناس وتبكيهم في الوقت الواحد على بلاد الياسمين التي كانت خضراء ذات يوم، هي لعبة لم تنطل علينا يوما ولن تنطلي.

ستظل مكشوفة، تفضحها ونحن نبتسم كلما حاولت اللجوء إليها باريس، ويمكن أن يسأل الساسة الجدد هناك من عرفوا الجنرال الكبير والرئيس الأكبر شارل دوغول، الذي يدعي العديدون في فرنسا اليوم أنهم سائرون على خطاه، عن موقفه من بلدان المغرب الكبير، وكيف كان دائما قادرا - هو ومن أتى بعده من الرؤساء - على التمييز العاقل، الفطن، الذكي، السياسي، بين المغرب وبين...البقية.

لايريد المغرب إطلاقا لعلاقته مع فرنسا أن تتأزم. يريدها مثالية، مثل علاقة أي شريكين يحلمان بالحفاظ على شراكتهما لأنها سبب ربحهما معا، ولأنهما متأكدان أن استمرارها واستمرار ربحيتها مرتبط بقيام كل جانب بدوره على الوجه الأكمل.

عندما يخل شريك واحد فقط بجزء من الالتزام، يصبح الاتفاق لاغيا بقوة الأشياء، وتصبح الشراكة دون معنى.

نكاد نرغب في القول إنها تصبح استغباء من شريك للشريك الآخر. والمغرب بلد لايحب أن يستغبيه أحد. والمغاربة بالمناسبة نفسها، قوم يكرهون بقوة أن ينظر إليهم أي كان على أساس أنهم لايفهمون.

وعندما نقول المغاربة، نقصد حملة الجواز الواحد هنا، أصحاب الولاء الواحد هنا، من لاانتماء لهم ولديهم إلا للمغرب.

لانقصد أولئك الذين يتأسفون لنا هاته الأيام ويقولون لنا بفرنسية ركيكة لن يتقنوا ضبط لكنتها son accent مهما اعتقدوا أنهم يفعلون ذلك "أنتم مخطئون ولايجب أن تثيروا غضب صديقتنا فرنسا".

هؤلاء نحن لانتحدث معهم، لأن فرنسا أصلا التي يحاولون إيهامها بولائهم الكاذب لاتريد الحديث معهم ولاتصدقهم، وتتذكر لهم دوما وأبدا أنهم لم يكونوا صادقين مع بلدهم الأول، لذلك لن يصدقوا أبدا مع البلد/الولاء الثاني.

هم صادقون مع مصلحتهم الصغيرة المسكينة فقط أينما كانت. لذلك لا اعتبار لهم لا هنا و لاهناك.

نحن نتحدث عن المغاربة الذين لاشيء لديهم إلا المغرب: هؤلاء قوم لايحبون من يستغبيهم ويكرهون من يتعالى عليهم.

يصدقون مع الصديق الحق، ويواصلون معه الشراكة حتى آخر الأيام.

وبالمقابل ينفضون أيديهم من مدعي الصداقة الذي يريد فقط استغلالهم، والذي يلجأ إلى الكثير من الخداع، ومن النصب والاحتيال، وإلى غير قليل من الضرب تحت الحزام لكي يبتزهم حين يشعر أن طيبوبتهم توقفت في اللحظة التي اعتقدها المدعي سذاجة غبية يمكن استغلالها إلى مالانهاية.

في السياسة كما في الحياة، يكره المغرب والمغاربة الغباء واستغباء الآخرين لهم.

هل فرنسا عاجزة إلى هذا الحد عن فهم هاته القاعدة البسيطة في العيش؟؟؟؟

لانعتقد، لكننا سننتظر من الأيام والتطورات المقبلة أن تقدم لنا إجابة حاسمة عن هذا السؤال....