الدرس الإسباني لفرنسا

يونس دافقير الأربعاء 01 فبراير 2023
No Image

AHDATH.INFO

تعبر القمة المغربية الإسبانية بوضوح عن تلك الفكرة

الدبلوماسية التي تقول بأن الأزمة في العلاقات الدولية ليست بالضرورة لحظة هدم، بل فرصة لإعادة البناء. من يريد اختبار ذلك عليه أن يراجع العلاقة بين البلدين منذ سنة 2015 على الأقل.

في تلك السنة انعقد آخر اجتماع رفيع المستوى بين مسؤولين مغاربة ونظرائهم الإسبان، في الواقع تقلبات الحياة السياسية والحزبية في اسبانيا باعدت ببن الضفتين، وستعود النزعة الايديولوجية والشعبوية الى إحياء زمن التوتر في عهد خوصي ماريا أثنار قبل 20 عاما.

لقد ظهر ذلك جليا مباشرة بعد الاعتراف الأمريكي في عهد دونالد ترامب بمغربية الصحراء. اسبانيا الى جانب ألمانيا تحركتا لتأليب المجتمع الدولي على هذا المستجد الحاسم في ميزان القوى الدولي للنزاع، على أن تهريب زعيم الانفصاليين سرا إلى مدريد خوفا من مطالب الضحايا لدى العدالة الإسبانية كان خطوة انتحارية غير مدروسة.. وباقي تفاصيل التوتر سنة 2021 معروفة لدى الجميع.

في هذه اللحظة بات بإمكان كل الملفات الحساسة في التعاون الثنائي أن تنفجر: الصيد البحري، الهجرة، الأمن، المبادلات التجارية... وكان لابد أيضا من رد فعل سيادي مغربي بلغ أوجه باستدعاء السفيرة المغربية إلى الرباط.

في الكواليس جرت اتصالات مكثفة، اسبانيا كاملة أعادت قراءة صفحتها في المغرب. النظرة الواقعية الجديدة بدأت تظهر تدريجيا مدفوعة إلى ذلك بالتمزق الأوروبي وتحولات عالم جديد قيد التشكل. ومن دون شك، فهمت إسبانيا السيرة المغربية الجديدة بإمكاناتها الاقتصادية وشراكاتها الدولية التي تصنع واقعا جيوسياسيا جديدا.

ويمكن القول أنها كانت شجاعة ديبلوماسية لما ضربت مدريد بعرض الحائط مجمل الإغراءات والابتزازات الجزائرية، لقد اختارت عمقا استراتيجيا للمستقبل وليس جوابا ظرفيا على احتياجات الغاز.

لنستعرض جانبا من التفاصيل المعبرة في انتقال مدريد من "الخصم" إلى الشريك الموثوق: حسمت مدريد لأول مرة موقفها لصالح الحكم الذاتي، بل إنها شددت على الألف واللام في تعريف "الحل" الذي صارت تراه ممثلا بشكل أوحد في الحكم الذاتي. وبذلك تجاوزت فرنسا التي كانت سباقة سنة 2007 إلى دعم المقترح المغربي.

ظهر الفرق بين إسبانيا الجديدة وفرنسا من جديد داخل البرلمان الأوروبي، بينما تزعمت باريس جوقة العدوان الايديولوجي على المغرب باسم حقوق الانسان، اختار نواب الحزب الشعبي الإسباني النأي بأنفسهم عن أجندة الابتزاز الأوروبي. في محصلة ذلك تجاوزت مدريد باريس في حجم المبادلات التجارية مع الرباط، وسجلت سنة 2022 نسبة نمو بلغت 33 في المائة.

قدمت اسبانيا لباقي أوروبا نموذجا لما يمكن القيام به في بناء توازنات جديدة مع القوى الإقليمية الصاعدة جنوب الضفة المتوسطية، ولذلك رأينا خطوات ألمانية مشابهة للمسعى الإسباني، وبعد أزمة عابرة، سارت برلين على خطى دعم الحكم الذاتي، وعلى منوال تقاسم الأرباح في الخيرات المادية المتاحة.

في هذا السياق لا تجوز قراءة القمة المغربية الإسبانية على أنها من اللقاءات رفيعة المستوى العادية، بل هي درس، إسباني لأوروبا، ولفرنسا ماكرون، درس مؤداه أن التخلص من عقيدة التعالي الاستعماري، سيكون مفيدا في تجديد الشراكات التي تفقدها فرنسا يوما بعد آخر في إفريقيا.