دراسة ميدانية : اتساع مطالب المغاربة باحترام الحريات الفردية والابتعاد عن المرجعيات التقليدية

سعـد دالـيا الثلاثاء 31 يناير 2023
No Image

AHDATH.INFO

أكدت نتائج دراسة ميدانية أجرتها مؤخرا مؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية حول الحريات الفردية أنه رغم الحضور القوي للمرجعية الدينية في خلفية مواقف التمثلات والممارسات، وحضور بعض أشكال الروابط التقليدية خلال الدراسة الميدانية، إلا أن الدراسة أثبتت وجود عدة عناصر تؤكد اتساع مطالب الأفراد بضرورة احترام فرديتهم واتساع المسافة تربط الأفراد بالمرجعيات التقليدية .

موضوع الدراسة " الحريات الفردية: ما يقوله المغاربة !"، وهو استكمال بحث كمي ميداني ، فيما جاء البحث الكيفي الجديد حول تمثلات وممارسات العينة المدروسة بخصوص ( حرية المعتقد حرية الجسد والجنسانية)، وتناوله قضايا أخرى من قبيل النقاش الدائر حول قوانين الحريات الفردية.

وكشفت نتائج الدراسة الميدانية، التي قدمها الفريق العلمي لمؤسسة منصات للأبحاث والدراسات الاجتماعية مؤخرا بمدينة المحمدية، والتي تتعلق تمثلات الحرية الفردية إلى تمايز تمثل الحرية الفردية لدى الفئة المستهدفة انطلق من ثلاثة مستويات، الأول يرتبط بالكرامة والحق الفردي في التفكير والاختيار والتصرف في الجسد، والثاني يربط الحرية الفردية بمدى انسجامها مع المعايير الاجتماعية السائدة، والمستوى الأخير يربطها بالانحلال والفساد الأخلاقي.

وأبرزت الدراسة أن ما هيمن على تمثلات المستجوبين للحرية الفردية رغبة في الموازنة بين الذات الفردية والذات الجماعية بفتح مساحة حوار وتفاوض مستمرين بين رغبة فردية أو جماعية نسبية في الاستفادة من التحولات الجارية مع قلق من فقدان الهوية الجامعة، وأنه لا تخلو تمثلاتهم للحرية الفردية من الإحالة على " البعد الهوياتي " الذي يبقى حاضرا وبقوة عند مناقشة الحرية الفردية، بالرغم من كشف الدراسة كل ما يمكن أن يرشح من نتائج حضور قوي للمرجعية الدينية في خلفية مواقف تمثلات وممارسات للمستجوبين، ومن حضور بعض أشكال الروابط التقليدية، والنظر لنصف المجتمع )المرأة) باعتبارها ملكا جماعيا، فالبحث أثبت أيضا عدة عناصر تقود إلى أطروحة بروز الفرد.

وفي اتجاه أخر ربطت الفئة المستهدفة سيادة وانتشار الحريات الفردية بمصير المجتمع، واعتبارها خطرا يهدد هويتها الجماعية الكلية والدينية بالخصوص، وبالتالي تشكل المرجعية الدينية النواة الأساسية في تمثل الهوية الجماعية، يتم استحضارها بموجب صفات "النقاء الأخلاقي" التي تمنحها هذه الهوية للحياة الاجتماعية ضد كل ما يزعزع انسجامها وطهرانيتها المفترضة.

واعتبرت الدراسة التي أشرف عليها أساتذة علم الاجتماع ( عزيز مشواط ــ محمد محسن الرحوتي ــ عبد الرحمان الزكريتي ) أن العائق الأساسي لممارسة الحرية الفردية لا يرجع دائما للتخوف من السقوط تحت طائلة القانون كسلطة خارجية، وإنما تخوفا يبرز في الاصطدام مع ما استدمجه واستدخله الأفراد من سلطة الضبط الذاتي عبر مسار ( تنشئة اجتماعية أسرية ومدرسية تعلي من شأن التعاليم الدينية والعادات والتقاليد )، وتأكيدها على أن نوع من التذمر من انتقائية تطبيق القانون، حيث ربطت الفئة المستهدفة ممارسة الحرية الفردية بمقدار حيازة الرأسمال المادي والسلطة والنفوذ، خصوصا مع إثارة نماذج ممارسات واقعية كالإجهاض والعلاقات الرضائية وحتى الإفطار العلني في رمضان، والتي طرحتها فئة خلال إجراء البحث كحريات طبقية تشترى أو تفرض بسلطوية، ويمارسها البعض دون الآخرين حسب الانتماء السوسيو طبقي والمجالي والمتغير الجندري، والمستوى الثقافي.

وبررت الفئة المستهدفة بالبحث مواقفها من الحريات الفردية بخصوص هذا المعنى، أجابت الدراسة أن هذه الحجج مستقاة من تقاليد الناس ورسوخها بالهوية الجماعية والاستناد لرأي الأغلبية التي تحوز ــ حسب زعمها ــ حق ممارسة الإكراه في حق الحالات التي يعتبرونها " شاذة " و"أقلية " كنوع من الضرورة لحماية الإجماع والانسجام الداخلي للمجتمع.

وشددت الدراسة أنه كلما انخرطت الفئة المستجوبة في تمثل الحرية الفردية كانحلال أخلاقي، كلما اتجه موقفها برفض لأي مجهود مجتمعي لمأسسة تلك الحريات أو لتقنين ممارستها أو تغيير قوانينها، كما أن مستوى قبول أو رفض هذا الجانب أو ذاك من حرية التصرف الفردي في الجسد، أو حرية الاعتقاد أو غيرها شديد الارتباط بالمعنى الذي يتم منحه للحرية، مؤكدة في الوقت ذاته أننا " نجد لدى غالبية عينة البحث مستوى مرتفع من التسامح، بخصوص ممارسة الحريات الفردية في أشكالها غير المهيكلة والمتخفية وبالفضاءات الخاصة".

ومقابل ذلك كشف البحث عن مساَئلة كبرى للبديهيات الاجتماعية، بخصوص ما يجب أن يكون وما يجب أن يفعل، وكيف يكون ذلك ونقد شمل الحدود والضوابط، ويتصاعد هذا النقد بالخصوص لدى نسبة هامة من النساء اللواتي يشتكين من الحيف الذي يتعرضن له في عدة قضايا من قبيل الإرث والزواج بغير المسلم وغيرها.

ولم تستثن الدراسة بالوقوف على اتجاهات قوية لدى الأفراد اﻟﻴﻮم بمختلف اﻟﻔﻀﺎءات للبحث عن اﻻﺧﺘﻼف واﻟﺘﻔﺮّد ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ، وﻋﻦ واﻟﺪﻳﻬﻢوأﻗﺎرﺑﻬﻢ وزﻣﻼﺋﻬﻢ، وذﻟﻚ ﻓﻲ ﻣﺎ ﻳﺨﺺّ أﻧﻤﺎط ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ وﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ وﺧﻴﺎراﺗﻬﻢ اﻟﻤﺼﻴﺮﻳﺔ أو اﻟﻴﻮﻣﻴﺔ، بعد أن سجلت الدراسة ارتفاع حدة النقد اتجاه مجموعة ﻤﺆﺳﺴﺎت اﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ (ﻛﺎﻟﺰواج واﻟﺪﻳﻦ) واﻟﺮواﺑﻂ الاجتماعية واﻟﻌﻼﻗﺎت الزواجية، وقف خلالها التقرير البحثي فيما يرشح من خطابات المستجوبين في توجه كبير نحو اﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اﻻﻋﺘﺮاف ﺑﺎﻟﺬات وﺧﺼﻮﺻﻴﺘﻬﺎ وﻣﻄﺎﻟﺒﻬﺎ واﺧﺘﻼﻓﻬﺎ ﻋﻦ اﻵﺧﺮﻳﻦ، وهذا عبر تمثل الجسد كملكية فردية وانتقاد النساء بالخصوص لمجموعة معايير سائدة من قبيل مسألة الزواج من أجنبي غير مسلم.

وهو ما جاء في تأكيد جزء من المستجوبات أنها حرية شخصية وتعبير عن ﺨﻴﺎر واعٍ وﺣﺮ وﻳﻤﺪﺣﻮن ﺑﻌﻀًﺎ ﻣﻦ أوﺟﻬﻪ اﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ، وﻟﻜﻨﻬن ﻓﻲ اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ يتذمرن وينزعجن من الموقف الديني الذي يفرق بين إمكانية زواج الرجل المسلم من أجنبية وقبول ذلك بالنسبة للزوجة بشروط.

وأشار البحث الاجتماعي إلى خروج المرأة لعالم الشغل واقتحامها عدة مجالات ساهم ببزوغ توجه مهم نحو الاعتراف النسبي بحرياتها الفردية في عدة مجالات، خاصة فيما يتعلق بالسفر والعيش بمفردها لدواعي براغماتية )الدراسة، العمل ...( وليس لدواعي تتعلق بتحول ثقافي وقيمي راسخ ومتجذر، قبل أن تقف الدراسة على حرية الجسد، الذي هيمن على تمثل فئة المستجوبة للحرية الفردية، واعتبار الجسد ملك جماعي، فهو جسد الجماعة الذي يجب حمايته ومنعه من خرق القواعد السائدة والمتوارثة، بعد أن استندت هذه التمثلات في غالبيتها على منطلقات دينية وتصبح حرية الجسد مرادفة ومرتبطة بالانحلال الأخلاقي، خصوصا لما يتعلق الأمر بالمرأة واختياراتها على مستوى العمل، السفر، اللباس، وممارسات فردية خاصة أخرى.

واعتبرت الدراسة أن إجابات جزء كبير من المبحوثين تختزل حرية الجسد فيما يمكن تسميته "بالجسد الشّرعيّ" الذي عليه أن يتصرف ويتوافق مع معايير اجتماعية ودينية بالخصوص، وهو ما أقرته الدراسة وتأكيد بشكل واضح مقولة الجسد الشرعي عند الحديث عن البكارة والعذرية، وتتأكد هذه المقولة أيضا وأكثر عندما يتعلق الأمر بسفر المرأة أو الفتاة المغربية واختيار الأصدقاء، حيث يوجد تضارب للآراء حول من له حق التدخل في هذه الاختيارات، كما رأى البحث حسب ما رشح من مقابلات المبحوثين أن قوامة الرجل تشكل أحد الأسس المركزية في فرضية الوصاية واعتبار المرأة ملكا جماعيا، حيث يستعير المبحوثون قوامة / تحكم الرجل (الأب، أو الإخوة، أو الزوج) في المرأة كثابت يخترق مختلف الفئات المستجوبة.

ورفضت للفئة المستهدفة بالدراسة دون استثناء مسألة اللجوء للعنف الجسدي أو المادي للحد من حرية ممارسة الأشخاص للحريات الفردية، وتفضيل التبرير أن يكون دائما بوجود دولة وقانون، و" ولي أمر" يسهر على حفظ نظام المجتمع. وبالنسبة لحرية المعتقد يسود تخوف للفئة المستهدفة من ممارسة بعض الأفراد للحق في حرية تغيير المعتقد بمعتقد ديني أو لاديني غير الدين الإسلامي باعتبار ذلك استهدافا لهوية المجتمع، ويثير المستجوبون عند الحديث عن الحرية الفردية عدة أسئلة من قبيل مصير المجتمع، والخطر الذي يهدد الهوية الدينية سواء تعلق الأمر بالحرية الجسدية أو حرية المعتقد، أو العلاقات الرضائية بين الراشدين، يبدو أن ما يهيمن على تمثلات المستجوبين هو الخوف من فقدان الهوية، لكن المفارقة توجد لدى هؤلاء هي غالبا ﻣﺎ ﻳﻄﺎﻟﺐ هؤلاء اﻷﻓﺮاد ﺑﺤﺮﻳﺎﺗﻬﻢ وﺑﺎﻟﺤﺪّ ﻣﻦ ﺣﺮﻳﺔ اﻵﺧﺮ اﻟﻤﺨﺘﻠﻒ، وفي نفس الاتجاه سجل البحث قبول أغلبية المستجوبين بممارسات غير منضبطة مع أشكال التدين المحلي شريطة بقائها في الفضاءات الخاصة المعتمة والمغلقة فقط، لأن خروجها للعلن يعتبر مظهرا من مظاهر تهديد التناغم الاجتماعي وخلق شرخ للوحدة الدينية للجماعة / الأمة.