وداعا توفيق !

بقلم: المختار لغزيوي الثلاثاء 10 يناير 2023
No Image

رحم الله زميلنا توفيق مصباح. كان من النوع الطيب الحيي، وهو نوع شبه نادر بيننا نحن قبيلة الصحافة.

عرفته في بدايات العمر الصحفي، وكل منا يشق طريقه نحو ماهو سائر إليه من خطوات كتبت علينا، ومنكتبت عليه خطى مشاها، فوجدت فيه نبلا حقيقيا تلتقطه بالعين المجردة بسهولة، وتدركه حواسك الداخليةبيسر شديد.

رحلتنا معا إلى مهرجان الفيلم الوطني بطنجة بداية سنوات الألفين لازالت راسخة في الذهن بتفاصيلهاالمضحكة من قبيل الدراهم القليلة التي كانت في جيوبنا جميعا، والتي فرضت علينا إنهاء تغطيتناللمهرجان في اليوم الثالث منه فقط، بعد أن توقف بنا حمار الشيخ، أو حمار المال، في عقبة البوغاز، أو منقبيل مرحنا ونحن نشاهد أفلاما كالأفلام، ونتساءل بصخب داخل قاعة "روكسي": من منح هؤلاء الحمقىالدعم لكي يرتكبوا مثل هاته الكوارث؟

انقطعت بنا سبل الحياة بعدها، لكن ظل بيننا احترام وتقدير (أظنهما متبادلين) عن بعد.

ظللت أتابع المسار الأنيق لتوفيق، وأقرأ بعناية مايكتبه عن التلفزيون والسينما. وبقيت مقتنعا في حالتههو، لكن أيضا في حالات زملاء وزميلات آخرين أن من اخترع عبارة "قاتل بسعد وإلا فدع" لم يكن مخطئابالمرة، لأن العديدين ممن يقلون عن توفيق موهبة وتميزا في مجالنا أدركوا أمورًا لم ينلها هو بسبب الحظ...فقط لاغير.

عندما علمت منذ أشهر بواسطة زميلنا العدلاني أنه مريض جدا، وأن الحكاية هي حكاية أسابيع فقط، مع أنالأجل بيد الله، تألمت حقا، وعاتبت نفسي كثيرا أنني أقفلت بابي علي، ولم أعد أسأل في الكثيرين.

قارنت الأمر بما وقع مع راحل عزيز آخر هو يوسف هناني رحمه الله، وتذكرت أنني بقيت أؤجل مواعدنا معاإلى أن فات الموعد تماما ورحل يوسف إلى ربه.

لعله درس حياة آخر يلقنه لنا الموت: العمر أقصر من أن نضيعه في التافه من الأشياء، وفي تأجيل كل شيءإلى أن يمضي كل شيء...

يوم الأحد، تأخرنا بسبب ظروف العمل عن الجنازة، وعندما وصلنا إلى مقبرة "الغفران" كان مشيعو توفيقمن أهله وأصدقائه قد ذهبوا.

وحده كان هناك تحت الثرى، محاطا بتراب كثير، وفوق رأسه صخرة بيضاء صغيرة كتب عليها بخط أزرقبدائي: توفيق مصباح، الرقم 94.

كان المشهد مؤلما وحزينا وقاتلا. قرأنا ماتيسر، نبسنا ببعض الدعاء، ذهبنا لحال سبيلنا في انتظاراستكمال بقية الخطوات والخطى وكفى.

رحمك الله توفيق.