العنف الرقمي.. في الحاجة إلى تشديد قانوني لوقف نزيف الضحايا

بقلم زينب دوز الثلاثاء 10 يناير 2023
No Image

AHDATH.INFO

نسمع ونقرأ يوميا عن حالات لنساء ضحايا العنف الرقمي. هذا العنف المتحور يجعل من التكنولوجيا سلاحا له، حيث يتم سرد مآسي لنساء تم تصويرهن وابتزازهن وعرضهن على مواقع التواصل الاجتماعي، مما يمس بكرامتهن. يتعلق الأمر هنا بانتهاكات صريحة للحياة الخاصة لهن.

إن هذا الشكل المخيف للعنف يتعدى الجسد ليتعلق بالسلامة النفسية للضحايا، كما أنه يمس حتى أسرهن وحياتهن المهنية.

ما يقارب 15 مليون امرأة مغربية هن ضحايا للعنف الرقمي سواء، عبر المكالمات أو حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك حسب آخر دراسة للمندوبية السامية للتخطيط.

كما أن مختلف هذه الهجمات كانت ذات طابع جنسي، وفقط واحدة من كل عشر ضحايا هي من استطاعت الإفصاح عن هذا العنف. كل امرأة تعرضت يوما ما، ولو لمرة واحدة، لأحد أنواع العنف في الأنترنيت. هنا، يطرح التساؤل عن أي حماية للنساء ضحايا العنف الرقمي، خاصة أنه عنف يجدد وسائله باستمرار؟

غموض قانوني وغياب نصوص صريحة:

حسب التقرير الأخير لجمعية آتيك، وهي جمعية مغربية متخصصة في العنف الرقمي، فإن المشرع المغربي يجب أن يعيد النظر في الفصول المتعلقة بالعنف، من خلال الإشارة الصريحة إلى التهديدات التي يتم إطلاقها عبر الأنترنيت.

كما قد تم اقتراح إمكانية سن مادة قانونية جديدة، على سبيل المثال، لمعاقبة الانتهاك المتعمد، بأي وسيلة كانت، لخصوصية الغير، عن طريق التقاط أو تسجيل أو اعتراض، أو تعقب المعلومات المكانية (الجغرافية) لشخص ما دون موافقته فعليا ومباشرة.

إضافة الى التنصيص على ظرف مشدد للعقوبة عند ارتكاب الجرم من قبل الزوج أو الخطيب أو الزوج السابق أو الخطيب السابق.

ومع زيادة خطورة هذا المشكل، لكونه يمس مختلف الشرائح العمرية، يرى خبراء نفس الجمعية أنه يجب اعتماد حكم جديد يتعلق بالتحرش السيبراني (المعنوي) التي قد يتخذ شكل إرسال متكرر (عبر الرسائل القصيرة أو المكالمات أو تطبيقات التراسل أو شبكات التواصل الاجتماعي) لمحتوى يتضمن تهديدا أو قائما على الكراهية أو مهينا أو مسيئا أو مذلا، يستهدف فردا ومدفوعا بهويته (الجنس) أو خصائص أخرى (مثل الإعاقة) بهدف خلق شعور بالضيق أو ضرر نفسي أو من أي طبيعة أخرى، أو التحرش بشخص من خلال أقوال أو تصرفات متكررة يكون هدفها أو ينتج عنها، تردي ظروف عمله و / أو معيشته مما يؤدي إلى تدهور صحته الجسدية أو العقلية. بناءا على الأضرار التي يتسبب فيها التحرش الرقمي لضحاياه، والتي أدت في العديد من الحالات إلى الانتحار، فإنه من المهم إدراج أحكام في حالة الابتزاز عبر الإنترنت المرتبط بالتحرش السيبراني وإدراج حكم خاص يتعلق بالتحرش السيبراني الصادر عن الزوج / الخطيب / الزوج السابق / الخطيب السابق أو الأعلى رتبة في مجال العمل.

في نفس السياق، فإن الفصل 1-503 من القانون الجنائي: "يعاقب[...]، من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه أو أية وسيلة أخرى مستغلا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية". الجديد الذي حمله القانون رقم 13.103 يتعلق بالفصول 1-1-503 و 2-1-503 من القانون الجنائي. الفصل 1-1-503 القانون 103-13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء: "يعتبر مرتكبا لجريمة التحرش الجنسي ويعاقب بالحبس من شهر واحد إلى ستة أشهر وغرامة من 2.000 إلى 10.000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أمعن في مضايقة الغير في الحالات التالية: 1 .في الفضاءات العمومية أو غيرها، بأفعال أو أقوال أو إشارات ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية؛ 2 .بواسطة رسائل مكتوبة أو هاتفية أو إلكترونية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية الا أنه و كما ذكر التقرير فان القانون يجب ان يجعل من المحاولة عرضة لنفس العقوبة.

كما أنه من الحتمي التنصيص على عقوبات في حال التهديد ببث/توزيع محتويات تخص الغير، بغية تجنب ما قد يحدث من سوء تفسير. قد يكون من المفيد التدقيق في أن العقوبة قابلة للتطبيق حتى عندما يوافق الشخص على التقاط / تسجيل الصورة. ينبغي التمييز بوضوح بين الموافقة الممنوحة عند الالتقاط / التسجيل والموافقة الممنوحة من أجل البث / التوزيع، مع إمكانية إضافة تشريع ينص على أن المحاولة تعرض صاحبها لنفس العقوبات.

من غموض قانوني إلى معاناة يومية :

إن كان المسمى الصحيح لامرأة تعرضت لعنف جسدي أو جنسي هو "ناجية من العنف"، فمن المؤسف أن النساء ضحايا العنف الرقمي لا يمكن تسميتهم كذلك، لأن هذا العنف بمثابة قاتل متسلسل يلاحقهن طوال حياتهم بل وفي كل مرة يطور وسائل جديدة من أجل تأثير أكبر.

حليمة فتاة تبلغ من العمر 28 سنة، تعرضت للابتزاز والتهديد الالكتروني لما يتجاوز ثلاث سنوات. "مــن علاقــة حــب إلــى علاقــة ابتزاز.. إلــى علاقــة دمرتني نهائيا... فــي آخــر كل شــهر، يطالبني بشراء لوازم وحاجيات ذات ماركات عالميــة مــن أكبــر متاجر الــدار البيضــاء.. كنــت أرضــخ لطلباتــه خوفــا مــن الفضيحة والتشهير بسمعتي.. التهديــد لغته اليوميــة؛ بــل تعــداه لاستغلال جنســي من قبيل: "والله وما جبتي ليا السبرديلة ماركة... وماجينيـش عنـدي لدار، ليـوم لتصـاورك نغطي بيهـم الفيسـبوك ونرسل لهم لعائلتك فالواتس اب".. لـم يقـف تهديـده فقـط فـي الكلام والابتـزاز المـادي والجنسـي، بـل فتـح صفحـات باســمي فــي الفايسبوك و وضــع رقمــي الهاتفــي الخــاص وصــوري.. بــل تعــداه وأرســل كل مــا لديــه مــن صــور وفيديوهات إلى إخوتي.. طــردت مــن المنــزل وعشــت المــرارة والألم.. فقــدت الثقــة فــي الــكل.. فقــدت نفســي هــي الأخــرى". بالنسبة لحليمة، لم يكن فقط عنفا نفسيا واستغلالا جنسيا. لقد كان بمثابة نار أحرقت حياة هذه الفتاة المهندسة الطموحة، وها هي اليوم لم تستطع حتى رؤية أمها على فراش الموت.

من الدار البيضاء إلى فاس، خديجة هي الأخرى إحدى ضحايا العنف السيبراني. بعدما أنهت خديجة علاقتها مع خطيبها السابق، تتفاجأ بعد شهر بإرسال فيديو لها ولأسرتها عبر الواتساب، مما أدى إلى طردها من المنزل ومن عملها كأستاذة في إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة. "فــكل طريــق.. فــكل شــارع.. فكل زنقــة.. فــ كل مــكان.. يلا هزيــت راســي وجــات عينــي فعيــن أي واحـد صادفتـو، نعرفـو ولا منعرفـوش، .. تنقـول شـاف الفيديـو ديالـي.. وليـت تنهـرب مـن أعيـن النــاس بــاش نرتــاح نفســيا .. بدلــت الحومــة اللي كنـت سـاكنة فيهـا منـذ ولادتي.. اللي عنـدي فيهـا خوتــي وأحبابــي وجيرانــي اللي كبــرت معاهــم .. حتــى المدينــة بدلتهــا .. مشــيت لمــكان بعيــد حتــى واحـد مـا يعرفنـي ولا نعرفـو فيـه. مـرارا فكـرت في الانتحــار .. فكــرت نوقــف حياتــي.. لأنني عييــت مـا نمحـي مـن دماغـي اشـنو وقـع ليـا.. مبقيتـش قــادرة نهــز الــراس مــرة أخــرى.. هذا الشخص دمرنــي ودمــر حياتي".

خديجة وحليمة فقط نموذجين من بين آلاف النساء ضحايا العنف الرقمي. آلاف النساء اللواتي يعانين في صمت. آلاف النساء اللواتي يعشن تحت وطئت الابتزاز والاستغلال اليومي.

يشكل العنف ضد المرأة على الإنترنت مصدر قلق شديد في المغرب ويشكل تهديدا لسلامة المرأة البدنية وصحتها النفسية، كما أنه يهدد تواجد المرأة ومشاركتها في الفضاء الإلكتروني. ظهر الفضاء الإلكتروني كملاذ آمن للمرأة لتتمكن من التواصل والتعبير عن نفسها، ومع ذلك، لا تشعر النساء بالأمان أو الاستعداد لمواجهة العنف على الإنترنت؛ ومن هنا تأتي الحاجة إلى العمل معهن لزيادة الوعي بهذا الشكل من

أشكال العنف وتمكينهن من التصدي له.

وازداد التعرض للعنف على الإنترنت مع ظهور جائحة كوفيد-19، مما زاد من تكاليف الجائحة المستترة المتمثلة في العنف ضد المرأة، ومع استمرار أزمة كوفيد-19 والتحول الحتمي إلى الحيز الرقمي، قد يسهم العنف على الإنترنت في

تفاقم الفجوة الرقمية، وهي جسيمة بالفعل في المغرب ومختلف الدول العربية. وقد يعوق أيضا حصول المرأة على الخدمات مثل التعليم عن بعد أو الدعم القانوني أو الخدمات الأساسية الأخرى. لذلك، فمن المهم تتبع آثار جائحة كوفيد-19 بعناية من حيث صلتها بالعنف في الفضاء الإلكتروني.

العنف على الإنترنت وخارجه مترابطان، حيث يصعب عادة التمييز بين نتائج الأفعال التي بدأت في البيئات الرقمية وبين الحقائق خارجها والعكس.

بهدف التصدي للعنف ضد المرأة بطريقة متكاملة، أصدرت جمعية أتيك للتحدي والمواطنة، بشراكة مع سفارة هولندا بالمغرب، دليل توصيات لتقوية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف الرقمي. من بين أبرز التوصيات المذكورة:

1. الوقاية والتوعية بالعنف السيبراني: إشــراك وســائل الاعلام العامــة والخاصــة فــي هــذه الحملات الوقائيــة ضــد العنــف السـيبراني. الهـدف هـو زيـادة الوعـي بمخاطـر العنـف السـيبراني وطـرق مكافحـة ومنـع هـذا النــوع مــن العنــف؛ تشـجيع السـلطات الوطنيـة المختصـة، مثـل وزارة الصحــة والتعليــم والداخليــة وحتــى اللجنــة الوطنيــة لمراقبــة حمايــة المعطيــات ذات الطابـع الشـخصي (علـى القيـام بحملات وقائيــة علــى المســتوى الوطنــي)

2. إنشاء هيئة وطنية مسؤولة عن الإشراف على أمن المواطنين على الإنترنت: إنشــاء ســلطة، بموجب القانــون، تكــون مخولــة، علــى ســبيل المثال، لتقديــم المعلومــات والنصائــح العمليــة حــول العديــد مـن المجالات المتعلقـة بالأمن علـى الإنترنت)، مثــل العنــف الســيبراني (وإرشــادات عامــة حــول مــا يمكــن للضحايــا فعلــه، للإبلاغ عــن العنـف السـيبراني، وتوفيـر تكوينـات فـي هـذا المجــال عبــر الإنترنــت، لجميــع المستويات؛

3. إنشــاء وحــدات متخصصــة داخــل الشــرطة / الــدرك للتعامــل مــع حــالات العنــف الســيبراني: إنشـاء وحـدات متخصصـة بالعنـف السـيبراني، مـع وجـود نسـاء فـي الفريـق، لتلقي الشـكاوى والتحقيـق فـي جرائـم العنف السـيبراني. التنصيــص علــى وجــوب إعطــاء الأولوية للتنبيهــات المتعلقــة بارتــكاب أعمــال عنــف، حتــى عبــر الإنترنــت، والتــي تهــدد الســلامة الجســدية والجنســية والنفســية للمــرأة. التنصيــص علــى إلــزام هــذه الوحــدات المتخصصــة بالاستماع والبحــث عنــد تلقــي الشــكاوى وإبــلاغ المشــتكيات بكافـة حقوقهــن. والتنصيــص علــى إمكانيــة ســماع ضحايــا أنــواع معينــة مــن العنــف الالكترونــي، فــي حضــور أخصائــي نفســاني أو مســاعد اجتماعــي.

لكن القطع مع هذا النوع من الظواهر مرتبط بالتشريعات بالدرجة الأولى، لأنها تعتبرالأرضية المناسبة لمحاسبة الجاني وإنقاد حياة النساء ضحايا العنف الرقمي. لذلك، فانه من الضروري الاعتماد على:

•اعتبـار العنـف الرقمـي شـكلا مـن أشـكال العنــف الأخرى، ويســبب أضــرارا تمــس المــرأة والمجتمــع.

•اعتبـار العنـف والعنـف الرقمـي شـأنا عامـا ويجـب اتخـاذ كافـة التدابيـر لمناهضتـه.

•مطالبـة الجهـات المسـؤولة بإيجـاد تدابيـر وقائيــة وحمائيــة ومعاقبــة المعتديــن وعــدم الافلات مــن العقــاب.

•وضــع اســتراتيجيات شــاملة ومتكاملــة للحـد مـن العنـف الرقمـي، وتتبـع تفعيلهـا علــى أرض الواقــع.

•توفيــر الخدمــات المجانيــة المتعــددة الاختصاصــات للنســاء ضحايــا العنــف الرقمــي فــي مختلــف المناطــق.

•تفعيــل النصــوص القانونيــة المتعلقــة بتجريـم العنـف الرقمـي بمـا يحفـظ كرامـة النســاء المعنفــات.

•تبســيط الإجــراءات والمســاطر القانونيــة المتعلقـة بحـق التشكي بخصـوص العنـف الرقمـي الممـارس علـى النسـاء.

•الدعــوة إلــى إضافــة نصــوص قانونيــة تعالـج جريمـة العنـف الرقمـي خاصـة فيمـا يتعلــق بتحديــد مفهومهــا.

•الدعـوة إلـى خلـق منصـة إلكترونيـة خاصـة للتبليــغ عــن العنــف الرقمــي الممــارس علـى النسـاء وتقديـم الشـكايات فـي هـذا الشــأن.

•الدعــوة إلــى تحييــن النصــوص القانونيــة المنظمــة لموضــوع العنــف بواســطة الانظمة المعلوماتيــة والتطــورات التكنولوجيــة التــي يعرفها العالــم بشــكل عــام.