معالي "الأخضر" !

بقلم: المختار لغزيوي الجمعة 06 يناير 2023
No Image

نحن المغاربة، قوم طيبون، وبسطاء، ولامشكل لدينا مع وزرائنا، قدمائهم والمحدثين. بالعكس، نحننوقرهم ونحترمهم، ونلتقط معهم السيلفيات حين نلتقيهم، ونفاخر أصدقاءنا أننا نعرف منهممعالي فلان، وسعادة علان والبقية، إذا كنا نعرفهم حقا.

لذلك لايجب أن يقال لنا إطلاقا "إننا ضدهم"، أو "أننا نعاديهم ونعادي نجاحاتهم"، وأننا "منحزب أعداء النجاح وبقية الترهات".

الحقيقة هي أن المشكل يوجد في الضفة الأخرى فعلا. ودعونا هنا ننسى الطارئ من المواقفوالوزراء، ونبتعد عن الشخصنة، ونتحدث قليلا عن عمق الإشكال، لعلنا نستفيد من مطبات الحياةالتي تقع لنا بسبب بعض وزرائنا.

الحكاية تقوم على فكرة جد سهلة، هي أن الوزير أو المسؤول عن الشأن العام هو في الأصل إنساناختار الانخراط في هذا المسار لأجل خدمة الناس، لأجل تيسير الحياة عليهم، لأجل وضع خبرتهوكفاءته (على افتراض أن لديه خبرة ولديه كفاءة) وسيلة لتحسين عيشهم في المجال الذي يدبره.

بعبارة أوضح "هو خدام عند الشعب"، الذي يؤدي له من المال العام تعويضا محترما عن الخدمة،ومع التعويض يمنحه مكانة اعتبارية كبرى وامتيازات أخرى تدخل في إطار "متفرقات"، أو"مختلفات" أو ماشابه.

وعندما تكون مشتغلا لدى أحدهم، أي عندما يكون هو رب عملك الذي يؤدي لك الأجرة، أقل شيءفي سلوكيات التعامل هو أنك تحترمه، لاتتعالى عليه، لاتحدثه من فوق، لاترمقه شزرا، لاتعتبره منسقط المتاع، لاتسميه "بوزبال"، وتمضي فرحا منتشيا لاتلوي على شيء.

وعندما ينتقدك رب عملك هذا أي الشعب لاتقول له "أنا مامحتاجش ليك، أنا برزقي"، لأن تعبيراتبدائية مثل هاته نستعملها فقط "فالسخون"، أي داخل الحمام الشعبي التقليدي عندما ننخرط فيصراع حول سطل ما، أو حول دورنا في السقي من "البرمة"، أو عندما يستولي زميل في الاغتسالعلى قسط مبالغ فيه من "الصابون البلدي" دون طلب الإذن.

الوزير أو مسؤول الشأن العام لايسمح له باستعمال تعبيرات مثل هاته، وعلى افتراض أنه يعانيمن نقص في التواصل، ولايتقن الحديث، وتغلبه "الخضورية" بين الحين والآخر، فإن من اخترعواالسياسة والسياسيين اخترعوا معهم علما قائما بذاته يسمى "التواصل المؤسساتي"، يعفي"الأخضر" من ارتكاب الهفوات تلو الهفوات، ويعفي البلاد كلها من تحمل نقاشات سخيفة تسببهاهاته الهفوات.

وهذا العلم المسمى "التواصل"، يدرس في الجامعات، هنا في المغرب، وهناك في كندا وأوروباوالدول المتقدمة، وتعطى في نهاية تعلمه ديبلومات، الواحدة والثانية، وبموجبها يشتغل حاملتلك الشهادات، وليس الشواهد، عند مسؤول الشأن العام أو الوزير، لكي يحميه من لسانه، ولكييكفيه شر "تحلايقيت" التي بثها البعض في السياسيين حتى اعتقدوها فعلا معوضا كافيا عنالكفاءة والخبرة في مجال العمل.

السؤال اليوم هو كيف تقنع مسؤول الشأن العام بالأمرين معا: عدم سب الشعب والدخول معه"فالمعيور الخاوي"، ثم الاستعانة بأهل الذكر إذا كان لايعلم في مجال التواصل هذا؟

المسألة عويصة حقا، لأن الاقتناع الأول الحاضر في ذهن أغلبية المسؤولين هو أن "الناس باغيةفيهم الخدمة". لذلك لايتقبلون أصغر انتقاد، وفور أن تشير إليهم الأصابع في موضوع ما يغتاظونويستلون من جانبهم البدائي عبارات تدل على أنهم لايقدرون المنصب الذي هم فيه، ولايستوعبونحجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم.

سوى أن هاته العقلية اليوم لم يعد لها مكان في مغرب 2023.

شعبنا رأى خلال مونديال قطر، وفي مجال الكرة فقط، أن مسؤول الشأن العام عندما يتسلح بالنيةالجيدة والعمل الجدي ويتقن الحديث الصادق مع الناس، يحقق للبلاد والعباد النتائج الرائعةوالكبيرة.

لذلك لم يعد يريد الشعب إلا هذا النوع من المسؤولين في كل الميادين.

الآخرون الذين يعتقدون أنهم بسب الشعب أو تهديده بالمتابعات القضائية عبر تلفزيونه، سينهونالنقاش، لم نعد متحمسين كثيرا لرؤية سحناتهم، والله أعلم طبعا في البدء، وفي منتصف الطريق،وطبعا في الختام.

وللحديث صلة بكل تأكيد في قادم الأيام.