فرح كبير ولكن..!

يونس دافقير الخميس 29 ديسمبر 2022
No Image

AHDATH.INFO

يحتاط المغربي أحيانا من فرحه، وقد يحذر منه، فتجده يقول مثلا " الله يخرج هاذ الضحك على خير". وفي موضع آخر يحتاط من الخير الوفير فيردد " الله يعطينا الشتا على قد النفع".

تساعد هذه السوسيولوجيا المغربية على تحديد طبيعة بعض النفسيات التي برزت على الواجهة منذ عودة المنتخب الوطني من ملحمة قطر. فقد نعتبرها من زاوية " الاحتياط" المغربي من " الاضرار الجانبية" لفرح كبير، وقد نراها أيضا طحالب من مخلفات أمطار خير فوق طاقة الاستيعاب.

في المونديال تجاوزنا حدود الحلم بينما لم نذهب إلى قطر بحلم محدد سلفا. بدا الفرح عظيما، والإنجاز لا يصدق. منا من استوعب ذلك بعد وقت وجهد، ومنا أيضا من يختار إنكار الواقع لأن مستوى الحلم صادم.

ومن زاوية نفسية أخرى، تميل الناس إلى مناطقها الآمنة في الحزن، البؤس، الفشل، التركيز على العيوب، التقليل من قدر الناجح ... الدراسات تؤكد أن الأخبار السلبية هي الأكثر استهلاكا.. والناس تعتقد أنها مناطق ،. ورغم قسوتها، فهي غير متقلبة، ويتم التعايش معها بالاعتياد. بينما الفرح والنجاح مكلفان، يحتاجان لمجهود، وليسا مضمونين دائما، ومن هنا هما مخيفان، والطمأنينة ولو كانت مزيفة، توجد في مناطق البؤس المظلمة.

في الفرح الكبير للمونديال تفتش مثل هذه النفسيات عما يشدها إلى مناطق راحتها الخاصة: التقليل من أهمية النجاح الشخصي كقدوة/ القتل الرمزي لنجوم النجاح/ إثارة ملاحظات هوياتية صغرى في لحظة فورة الهوية الكبرى/ التشكيك في الارتباط والولاء/ استعادة مصادر التفرقة بدل الشعور الموحد ...

غير أننا قد ننظر للمسألة من زاوية أخرى مغايرة. يشبه الأمر آلة الزمن في السينما، أو السفر بين أزمنة متباعدة إثر السقوط في حفرة جبلية، إنه ليبدو لافتا ذلك السفر الرهيب في سرعته بين زمن أمجاد المونديال وزمن استعادة نقاش عبيط حول الزواج من موظفة، هكذا وبجرة فيسبوك نطير من صدارة الأمم إلى قاع قرونها السحيقة. بل ونعطي الانطباع كما لو انتا نسعى بشكل حثيث، نحو هدم تلك الصورة القيمية اللامعة التي رسمناها في المونديال: بلد عريق منخرط في العصر .

هكذا كانت لوحة المنتخب: ابن عصره، مزيج يتوحد فيه المغاربة أينما كانوا في الانتماء، حمال قيم الكفاءة والتقنية الحديثة، مصدر رموز قيمية تدور حول الاسرة/ الحب/ التدين المغربي، منتج سخي للمشاعر ..

وليس غريبا أن هذه القيم هي ما يستهدف تحديدا في رمزية المنتخب.

وليس تجار البؤس هم فقط من يختارون لحظات الفرح لتروبج نقضيه. هناك بين الملاعب والجمهور انفجرت مع التذاكر سلوكيات الغش، الاستغلال، الإثراء غير المشروع، المضاربة ... بينما كان اللاعبون يعلون في الميدان من قيم الكفاءة، التنافسية، التضحية، التعاون، الوضوح، الجدية، المعقول ...

يمكن أن نستعير من قناة الجزيرة القطرية خطابها ومفاهيمها في تحليل " الربيع العربي"، وغالبا ما نخلص في إسقاطها على حالة المنتخب، إلا أننا عشنا ربيعا مغربيا في المونديال، بينما تسعى قوى الثورة المضادة" إلى جعله خريفا يليق بإدمانها الحاد على الاكتئاب ونبذ الفرح.