التلفزيون المغربي: تغطية خارج التغطية  

حنان رحاب الخميس 22 ديسمبر 2022
No Image

Ahdath.info

لا يمكن تسمية ما قامت به الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بخصوص الاستقبال الملكي والشعبي للمنتخب الوطنيلكرة القدم بعد عودته المظفرة من قطر، سوى أنها تعرية، تعرية لتصحر أصاب القطب العمومي السمعي البصريمنذ سنوات، كانت أجراس الإنذار تدق من متدخلين مختلفين.

كنا ننتظر تغطية لحدث تاريخي، فإذا بنا إزاء فعل تعرية فظيع.

لم يكن ما حصل يمثل اعتداء على حق المواطنين الذين كانوا ينتظرون بشغف متابعة لحظة الوصول إلى مطارالرباط، وجولة الحافلة من هناك حتى مداخل القصر الملكي العامر، وبعدها لحظة التوشيح من طرف جلالة الملكبأوسمة العز والفخار.

بل كان كذلك اعتداء على حق الأجيال المقبلة التي لم تشهد هذه الملحمة غير المسبوقة.

فتغطية مثل هذه الأحداث تتحول إلى وثيقة تاريخية بعد سنوات عليها. في الأرشيف الوطني المرئي ثمة تسجيلات بجودة عالية رغم فقر الإمكانيات التكنولوجية في الماضي قياسا إلىالحاضر الرقمينتذكر لحظة العودة المظفرة لأب الاستقلال محمد الخامس من منفاه القسري، سواء لحظة النزول من الطائرة، أولحظات الاستقبال الشعبي.

وطبعا تبقى الذاكرة الوطنية موشومة بصور الأمواج البشرية خلال المسيرة الخضراء وهي تقتحم الحدود الوهمية،لتعلن عودة المجال الصحراوي الذي كان مستعمرا من طرف إسبانيا إلى الحضن الدافئ للوطن الكبير مجالاوتاريخا وقيما وحضارة.

وفي كلتا اللحظتين، كان النقل التلفزي في الموعد لتخليد اللحظة، وتحويلها لوثيقة تاريخية لاحقا.

وفي المجال الرياضي، لا زال جيل الثمانينيات يستحضر في ذاكرته النقل التلفزي المباشر لاستقبال نوال المتوكلوسعيد عويطة العائدين بأول ميداليتين ذهبتين للمغرب في الألعاب الأولمبية.، كان ذلك قبل 38 سنة من اليوم.

اليوم، ومع إنداز تاريخي يتمثل في دخول الكرة المغربية نادي الأربعة الكبار، تأبى التلفزة المغربية إلا أن تفسدفرحة الاستقبال، بتغطية، سنكون رحماء إذا وصفناها بالمتواضعة.

هي باختصار تغطية مستهترة.

منذ تأهل المنتخب الوطني إلى دور الثمن، ومشاركة جلالة الملك شعبه في خروجه العفوي نحو الشوارع ابتهاجا،ثم مروره لمحطتي الربع والنصف، كان معروفا أنه سيكون ثمة استقبال ملكي وشعبي للمنتخب الوطني عند عودته.

وكان الواجب الوطني أولا، والواجب المهني ثانيا، يقتضي الشروع في تهيئة الشروط اللوجيستية والتقنيةوالتواصلية، وانتقاء الضيوف الذين سيؤثثون البلاتوهات الذين كان اختيارهم يجب أن ينضبط لمعايير تليق بالحدث: لاعب دولي سابق شارك في إنجازات مميزة، مدرب حاز ألقابا قارية، مدير أكاديمة محمد السادس،،،

كل ذلك لم يحصل، لنجد أننا أمام كاميرات موضوعة كيفما اتفق، وفي أماكن لا تؤهلها لالتقاط اللحظات الأكثرإثارة والمحملة بدفئ إنساني، وأمام عجز عن الاستعانة بالنقل عبر الساتلايت في الأماكن التي تعرف عادة تداخلافي الذبذبات بسبب القرب من بعض المؤسسات الأمنية أو العسكرية رغم أنها معروفة سلفا، وعدم إحضار" البروجيكتورات" رغم المعرفة المسبقة بأن الاستقبال سيمتد إلى اللحظات الأولى للغروب وبعدها، مما جعل بعضمشاهد الاستقبال الشعبي قاتمة، وكأنها تعود لزمن ما قبل الثورة الرقمية

أما ما كان يروج من عبارات مسكوكة في بلاطوهات التعليق، فحدث ولا حرج، بحيث تحولت إلى مادة خصبةللتندر على مواقع التواصل الاجتماعي، فضلا على أن تأثيث الاستديوهات كان يفتقر إلى أي لمسة جمالية أوإيحاءات رمزية دالة.

لا يمكن التذرع بالإمكانيات، فما يتوفر في الشركة الوطنية من إمكانيات مالية ولوجيستية كاف لنقل تلفزيمحترم.

صحيح أن التلفزة المغربية أخطأت في مواعد سابقة، ويمكن التدليل على ذلك بالمقابلات الكروية التي كانت تنقلهامن مركب محمد الخامس أو مولاي عبد الله، بالمقابلات التي كانت تنقلها شبكة بي إن سبورتس القطرية، أو أبوظبي الرياضية من نفس المركبين، حيث كان الفرق واضحا.

ولكن على الأقل كان الحد الأدنى من شروط النقل التلفزي متوفرا.

ولذلك فما وقع لا يمكن تسميته سوى بالاستهتار.

الاستهتار بحدث كان سينتهي بنشاط ملكي.

الاستهتار بإنجازات فريق وطني كان يستحق تخليد لحظة رجوعه لأرض الوطن بما يليق به.

الاستهتار بشعب كان ينتظر تلك اللحظة بشغف كبير.

الاستهتار بالتاريخ المغربي المجيد الذي يستحق توثيق لحظاته الكبرى بحس وطني ومهني عال.

في دول أخرى، لو وقع أقل من هذا، يسارع المسؤول عن التلفزيون إلى تقديم استقالته، ويشرع البرلمان فيتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، وتتحرك مساطر المحاسبة والمراقبة.