أيام في قطر !

بقلم: المختار لغزيوي الخميس 22 ديسمبر 2022
No Image

AHDATH.INFO

هذه لم تكن أول زيارة لي لقطر، لكنني أعتبرها فعلا الأولى.

ذهبت مرات سابقة في زيارات عمل سريعة، كانت تدوم مدة اللقاء الذي ذهبنا إليه فقط، وكنت أحتفظ في جزءمن ذهني - للأمانة مع النفس أولًا ثم مع القراء ثانيا - بقسط كبير من التحفظ، بسبب "الجزيرة والإخوانوبعض أو كثير التحامل سابقا على البلاد وبن قنة والدراجي وبقية المنغصات"، لذلك لم تكن الزيارات ممتعةأبدا.

هذه المرة ذهبت قصدا، عن اختيار، وعن سبق إصرار وترصد، بسبب الغرب المنافق وموقفه من مونديال قطر.

قلت لنفسي، وأنا أحادثها كثيرا "لابد مما ليس منه بد، لنذهب ولنر بأعيننا ولنتأكد من كل الكلام".

وجدتني في قلب حدث عالمي نادر التحقق مجددا، مستحيل التكرار.

قطر التي وفرت لنفسها قبل هذا الوقت بوقت طويل كثيرا من الكماليات المادية التي لن تجدها في أكثر الدولالغربية تطورا، عثرت بفضل هذا المونديال على بقية الكماليات المعنوية التي كانت تنقصها.

سألت زميلا فرنسيا كان هناك في "فيرمونت" الدوحة ينتظر تذاكر لقاء ما "كيف وجدت العرب؟ كيف وجدتالدوحة؟ كيف وجدت قطر؟".

قال لي "وجدت أن الإعلام الفرنسي ملزم بمغادرة فرنسا قليلا إذا ماهو أراد الحديث عما يقع خارجها".

طلبت منه الشرح قليلا. ابتسم وقال "كنت أنتظر العثور على إرهابيين يختطفونني ويطلبون فدية، وكنتأتوقع من كل سائق "أوبير" يحملني أن يحدثني عن ظروف العبودية التي يحياها، لكن ذلك لم يقع، كلهمفرحون بالعيش في هذا البلد الذي استقبلهم، ولم أكن أعتقد أنني أستطيع النزول إلى المسبح بلباسالسباحة وفي يدي مشروبي الذي ألفت احتساءه وأنا في باريس، في الليل رقصت في بولفار لوسيل حتىالثالثة، وقبلها جلست مع صديقتين في مقهى بسوق واقف حتى الخامسة صباحا ولم يقل لي أحد شيئا".

كان الفرنسي يقول أشياء عادية لاتدخل في إطار الإعجاز، لكن الحملة التي تعرضت لها قطر قبل وأثناءوبعد المونديال جعلت الأمر يبدو كالإعجاز.

سوى أن الحكاية لاعلاقة لها بالإعجاز إطلاقا.

الحكاية حكاية رغبة قرر لها الراغبون فيها أن تصبح حقيقة، وكفى.

وعندما يقول الكثيرون اليوم إنه أفضل مونديال على مدار الكرة العالمية تنظيميا، لانستطيع - وقد كنا هناك- إلا أن نقول آمين.

لم تترك الدوحة شيئا للصدفة. تنظيم أكثر من دقيق وأكثر من رائع. دقة في المواعد والتواريخ. وسائلمواصلات تنافس بعضها في الجودة. متطوعون بالآلاف من كل الجنسيات هدفهم كان طيلة المونديال تيسيرالحياة على الناس. مواطنون ومقيمون فهموا أن مايجري فوق أرضهم هو الفرصة الأكبر لتحقيق النقلةالكبرى، تلك التي يلزمها بالإضافة إلى المال (وهو ضروري طبعا) الاجتهاد الفكري والأدبي والمعنوي والفنيوالاجتماعي، وقد قامت به قطر في هذا المونديال ونجحت في ذلك إلى حد بعيد.

طبعا أراد جزء من التيار الإخواني سرقة المونديال من قطر، ونشر في الأيام الأولى أكاذيب كثيرة أرادتتحويل الأنظار بشكل بشع للغاية، لكن الكرة انتصرت في الختام، لكن رغبة الناس في الاحتفال، في الرقص،في الفرح، في تقدير الجمال بكل أنواعه، كانت لها الكلمة الفصل.

نحن في المغرب، سنحتفظ لقطر بالإضافة لكل هذا الاحتفال بالجمال الإنساني، بتألق راية البلاد هناك،وباحتفال القطريين، قمة وقاعدة، بنا.

وعندما سنحكي مستقبلا عن هذا البلد وعن هذا المونديال، سنقول فقط "نعم الديرة هي، نعم الأهل هم، نعمالتنظيم، ونعم الاستقبال".

لن نقول إلا "شكرا"، وسنضيف بكل امتنان الكون "والنعم"، وسنكتفي.