عزيمة وطن

بلمداحي حكيم الثلاثاء 20 ديسمبر 2022
No Image

قبل بداية كأس العالم قطر 2022، ولما كنت أسمع وليد الركراكي يتفوه، بجملة رددها كثيرا، مفادها أن الفريق الوطني المغربي لكرة القدم سيسعى إلى تحقيق إنجاز كبير في هذه البطولة، كنت أبتسم بخبث واستهزاء. لم أكن أفهم ماذا يعنيه بجملة الإنجاز الكبير، خصوصا وأن الحلم الذي راود أكثرية المتفائلين منا، هو المرور إلى الدور الثاني أو على فقط الإقصاء في الدور الأول بشرف..
كان الركراكي يضيف كلاما آخر وهو يتحدث للصحافة، يقول فيه إنه سيسعى إلى تغيير العقلية المغربية كرويا.. كلام لم يكن له معنى قبل شهر من الآن. كيف لهذا المولوع بجلدة منفوخة بالريح، التي كنا نعتبرها لعبة اخترعها المتحكمون في زمامنا لإلهائنا عما هو جدي، كيف لهذا الوليد أن يقول كلاما أكبر من حجمه ومن موقعه ومن مكانته الاجتماعية والسياسية؟
ثم ماذا بعد؟ في حوالي ثلاثة أسابيع شعر كل واحد منا بأن شيئا تغير في الكون وليس فقط فينا وفي المغرب فقط. تلك الجلدة التي كانت لعينة ومعطلة للحراك الاجتماعي من أجل الأحسن، لم تعد كذلك. لقد فعلت فينا ما لم يفعله شيء على الإطلاق.. أخرجت المغاربة عن بكرة أبيهم يعلنون فرحتهم في الشوارع بكل الأشكال الحضارية المعروفة وغير المعروفة.. احتل الناس الشوارع، توحدهم الألوان الحمراء والخضراء وفي قلوبهم كل الحب في منتهاه.. حب لشبان أبهروا العالم بلعبهم.. وحب لوطن يسكن فينا دوما وينتظر فقط مفجرا ليظهر كبره اللامحدود...
الركراكي و«وليداتو» أخرجو الناس من المحيط إلى الخليج فرحا وافتخارا.. فرح الشام وفرح الخليج وفرح الشرق وكل جنوب المتوسط وأفريقيا. بل فجروا الفرح بين الأصدقاء وبين الخصوم وبين الأعداء أيضا.. فهذا الإنجاز الفتان وحده يستطيع أن يوحد الناس في غزة وفي القدس وفي تل أبيب وبدون شعور بأي أسف أو خوف من أي انتماء..
أبناء الركراكي نشروا اسم المغرب وثقافته بين كل البشرية ساكنة الكرة الأرضية.. حتى الذين لم يسمعوا ببلد اسمه المغرب انبهروا بهذا الوليد وأبنائه وبالجمهور المغربي الراقي في تشجيعه وفي نشره للفرحة والفرجة في الملاعب..
ماذا تغير فينا لنصبح، في لحظات تطلع إلى رقعة خضراء يجري فيها شبان وراء كرة، بهذا الشكل المغربي المتميز والمتفرد؟ الذي وقع هو أننا اكتشفنا قدرتنا على الحلم.. الحلم بانجاز الكبير من الأشياء كما بشرنا وليد الركراكي..
اكتشفنا أن اللعبة لا تقبل سوى الندية وكل إحساس بالنقص هو دونية وضعف منبعها فراغات نفسية يمكن التغلب عليها..
اكتشفنا أننا نستطيع.. نعم نستطيع...
طبعا ليس في الأمر معجزة فالأرضية متوفرة تنقصها فقط الثقة والعزيمة. وهذا ما عمل على الاشتغال عليه وليد الركراكي وطاقمه واللاعبين..
ثم ماذا بعد؟
هذا السؤال هو الأساسي من كل ما حدث. لقد بين عرس قطر أن تحقيق الحلم ممكن.. بالإيمان وبالعمل.. هذا هو الدرس الذي يمكن استخلاصه