بورتريه

البسيج : درع المملكة

سعيد نافع الخميس 25 فبراير 2016
البسيج : درع المملكة
bcij2

AHDATH.INFO – خاص – بقلم سعيد نافع

 

بناية بمعمار موغل في الحداثة وسط سلا، تتوسط مثلث ‘‘الموت‘‘ كما يسميه أهل المدينة. هو الضلع الأول : المكتب المركزي للتحقيقات القضائية أو ما يسمى اختصارا ‘‘ البسيج ‘‘. ضلعا المثلث المتبقيين يمثلان محكمة سلا ، ثم سجنها العريق ( الزاكي )  . بناية تمتد على مساحة 5000 متر مربع، بمدخلين فسيحين ، خارجي و آخر داخي. عند المدخل الرئيسي تنتصب قامتا شخصين ملثمين، يحرسان المكان بسلاحهما الأوتوماتيكي ‘‘ إم 4 ‘‘.

‘‘ البسيج ‘‘ ليس بناية فقط. ‘‘ البسيج ‘‘ طاقات بشرية متنوعة تشتغل ليل نهار كدرع الممكلة الواقي من كل الأخطار. فمنذ إحداثه  في 20 مارس 2015 لا يكاد يمر أسبوع واحد دون أن يتصدر نشاطه الصحف الوطنية. أسبوع واحد بعد تدشينه، فككت عناصر المكتب شبكة إرهابية من 13 شخص كانت تنشط بين مدن فاس وخريبكة وتطوان، وكانت تنوي استهداف شخصيات عامة ومؤسسات كبرى. توالت الاعتقالات بعدها، وتنوعت من تجارة المخدرات والمواد الغذائية منتهية الصلاحية، إلى غسل الأموال، مرورا بالتخطيط والاعداد لتنفيذ المخططات الإرهابية. فعالية سرعان ما سيتجاوز صيتها حدود المملكة. ‘‘ البسيج ‘‘ أنقذ بلجيكا من حمام دم جد محتمل، أسبوعا واحدا بعد مذبحة شارلي ايبدو في باريس. ثم توالى التعاون الدولي فيما بعد : فرنسا، اسبانيا، ايطاليا، الممكلة العربية السعودية ...

كجهاز متخصص في تتبع ملفات الجريمة المنظمة والعابرة للحدود والإرهاب، ‘‘ البسيج ‘‘ هو التطور المنطقي لمفهوم وفلسفة عمل مديرية مراقبة التراب الوطني التي أشرف عليها لوقت طويل عبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني الحالي. جهاز يعنى أيضا بالتنسيق بين مختلف أجهزة الاستعلامات والمحاكم. سريعا، لقبته الصحافة الوطنية بال ‘‘ الإف بي آي ‘‘ المغربي. تسمية لا تروق في واقع الحال لمسؤولي البسيج الذين يرددون في كل مناسبة على أسماع الصحفيين ‘‘ إنه البسيج ... وليس الإف بي آي ‘‘ اعتزازا منهم بقيمته المغربية الصرفة .

الولادة القانونية للبسيج سبقت ولادته المادية بسنوات. سنة 2011 وفي خضم الحراك المسمى ‘‘ الربيع العربي‘‘، عدلت المادة 108 من القانون الجنائي المغربي، لتسمح لمديرية مراقبة التراب الوطني بالقيام بالمهام الأمنية المنوطة بالشرطة القضائية : إجراء التحقيقات، الاعتقالات، الاستماع وتحرير المحاضر. توسيع مهام سمح للمديرية أيضا بتوسيع مجال الاشتغال في الملفات الكبرى ذات البعد الوطني كحفظ أمن الدولة ومحاربة الإرهاب والبحث في قضايا الاختطاف وتزوير العملة وا الاتجار في المخدرات والسلاح ... المجموعات الإرهابية صارت في صلب هذه المقاربة القانونية الجديدة، لإنها لم تعد تلك الشرذمة من ‘‘ التكفيريين ‘‘ التي تدعو للعنف ضد المجتمع الكافر، بل أصبحت بوثقة للجريمة المنظمة تحتاج للتزود بالأسلحة والأموال. وعلى نار هادئة أعدت المديرية وصفة وليدها الجديد ‘‘ البسيج ‘‘ لأربع سنوات كاملة.

يضم البسيج 340 عنصرا أمنيا يتوزعين في فرقتين. الفرقة الأولى تتخصص في محاربة الإرهاب تحت إشراف حبوب الشرقاوي، والثانية في الجريمة المنظمة تحت قيادة هشام باعلي. فرقتين أخريتين في قيد التشكيل تنتظران الانتهاء من مشروع إصلاح القانون الجنائي، توجدان قيد الدرس على مكتب وزير العدل والحريات مصطفى الرميد. الفرقة الأولى تعنى بجرائم الأموال، فيما ستوكل للثانية مهام متابعة ملفات الاتجار في البشر وجرائم الحروب. تعقد المهام وتشابكها، يدفع بمسؤولي البسيج إلى التفكير في إقامة مكاتب جهوية معززة بفرق صغيرة للتدخل، لتسهيل تدفق المعلومات وتسريع عمليات المداهمة.

في خط المواجهة الأول ضد التهديد الإرهابي تقف عناصر ‘‘ قوات التدخل السريع ‘‘. عناصر منتقاة لدى تخرجها من المعهد الملكي للشرطة بعد اجتيازها لمباراة الأهلية البدنية والنفسية الصارمة. وبعد تلقيها لتكوين في تقنيات الاستعلام، وفنون الحرب والتسديد داخل جهاز مديرية مراقبة التراب الوطني، ترفع وتحسن أدائها مع الشركاء في أمريكا وفرنسا وإيطاليا. نفس التكوينات تفرض على العناصر الأمنية المتخصصة في الأسلحة والتموين والجريمة المعلوماتية، التي تنشط ضمن خلية خاصة. البسيج يشغل 15 عنصرا نسائيا، ما تزال مهمتها محدودة في استنطاق وتفتيش المعتقلات النساء.

أثناء الإعداد للعمليات، تبيت العناصر المختارة للمشاركة في مقر البسيج، تأكل وتشرب طيلة فترة التأهب. غرف الإقامة تتوفر فيها الشروط الدنيا للعيش : سرير، ‘‘دوش‘‘ وخزانة ملابس صغيرة. لا تلفزيون لا انترنيت . الأسلحة التي توضع رهن إشارتهم ترتبط بطبيعة العملية المنتظرة : ‘‘ الجلوك ‘‘ و ‘‘ البيريطا 9 ملم ‘‘ كسلاح خفيف و ‘‘ الإم 16 ‘‘ و ‘‘ الإم 4 ‘‘ كعتاد ثقيل. في كل عملية، يترأس فرقة التدخل ضابط من الشرطة القضائية يمثل النيابة العامة، ما يضفي الصبغة ‘‘القانونية‘‘ اللازمة على التدخلات الأمنية. المعتقلون بعد كل مداهمة يقتادون إلى غرف خاصة للاستنطاق وتحرير المحاضر، مزودة بكاميرات متعددة، تمكن من رؤية واضحة لكل زواياها. قبل الشروع في الاستنطاقات وبعد ختامها، يخضع المعتقلون لاختبارات نفسية محددة بدقة تعطي فكرة واضحة عن الحالة النفسية والعقلية للمتابعين.

إخراج جهاز مديرية مراقبة التراب الوطني من زمن ‘‘ الصمت والتعتيم ‘‘ إلى عهد الوضوح بإنشاء البسيج، كان يهدف بالأساس إلى الرد على منتقدي أداء هذا الجهاز، داخليا وخارجيا، ووضع العمل الأمني في المغرب في صلب ‘‘ المسؤولية القانونية ‘‘. التواصل الدائم مع الصحافة، الإشراف القانوني على العمليات، وضمان الصحة البدنية والنفسية للمعتقلين، هي الأضلع الثلاث لهذا التغيير في العمل والعقليات.

البسيج ليس عبد الحق الخيام والشرقاوي وباعلي فقط. البسيج جسم متكامل من النساء والرجال يسهرون على أمن الوطن من خلال كفائتهم الميدانية، المعززة بالمعرفة العلمية والقانونية في زمن لم يعد يسمح بقبول الممارسات ‘‘ المظلمة‘‘ وحيث المعلومة تنتشر بسرعة النار في الهشيم عبر العالم باستعمال وسائط الاتصال الحديثة.

خلف صورة الوجه المقنع للرجال الملثمين التي تلتقطها الأعين في الصور المعممة لمدخل البسيج، لابد أن نتذكر أن رجالا ونساء مثلنا، من لحم ودم ومشاعر، يسهرون على أمننا ويستحقون أن نطلق عليهم بحق لقب ‘‘ درع المملكة ‘‘.