AHDATH.INFO

غير مامرة طرح هذا السؤال بطريقة علنية، أو محتشمة في غير ماجريدة، وغير ماموقع، وغير ما وسيلة إعلامية. وغير مامرة تحدثت الصالونات السياسية عن أسماء بعينها منحتها هذا الشرف دون أن تتوفر الألسنة التي تتحدث عن دليل واحد، على صحة ماتقوله لنسبة الخطب الملكية أو أجزاء من هاه الخطب لهاته الأسماء.

وفي شهر الصيام هذا، يحلو لبعض المذكرات التي تتحدث في كل شيء وأي شيء وأحيانا باللاشيء، أن تعود لذات الموضوع لكي تنسب أمورا غير حقيقية لأشخاص معينين، وغالبا ما تستند هاته المذكرات على شهادات أناس ذهبوا للقاء ربهم مايمنع عملية التأكيد أو النفي عن هاته الروايات، ومايمنح لأصحاب الحكي المسترسل هذا إمكانية إطلاق مايريدونه من كلام دون أن يرد عليهم أحد.

ومع ذلك السؤال ليس نافلا، بل هو جد وجيه، والمغاربة يطرحونه كلما أنصتوا لخطاب جديد من الخطب الملكية لأن هاته الخطب تتميز بخاصية لاتخطئها العين المجردة ولا الأذن المستمعة هي أنها تثير النقاش ولاتترك المتلقي لها محايدا، وتخلق الحدث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهي أصبحت تشكل لحظة انتظار فعلية تجعل الشعب يترقب بشغف كبير ماسيقوله ملكه، وأي موضوع سيتم التطرق إليه وبأي طريقة وأي مسؤولين ستوجه إليهم سهام النقد، وأي حقائق سيكشفها الملك في خطابه الجديد لشعبه.

[gallery size="full" ids="393761"]

خطب الملك يكتبها الملك

الملك يكتب خطبه بنفسه. هذه هي الحقيقة الوحيدة في كل هذا النقاش الذي يثار. الملك  يقف على كل صغيرة وكبيرة في هاته الخطب وجلالته يأخذ الوقت الكافي لتجويد خطابه إلى أن يقتنع به وإلى أن يعتبر أنه يعبر عما يريد إيصاله إلى شعبه، وإلى أن يرضى على شكله العام بنسبة مائوية كبيرة.

في لحظة من اللحظات الكثيرة للحكي كان يحلو للصحافة التي تريد أن تقدم عن نفسها صورة العارفة بأسرار القصر، المطلعة على مايجري داخله أن تقدم أسماء لشخصيات مغربية باعتبارها هي التي تكتب الخطب الملكية.

هاته الحكايات تظل حكايات فقط ليس لها مايسندها، وتقترب من الإشاعات أكثر من اقترابها من أي شيء آخر، وأكثر من نقلها لأي حقيقة، فلا الأسماء التي وردت غير مامرة في الصحافة والمواقع من المستشار المعتصم إلى السياسي اخشيشن إلى المستشار الآخر أزولاي إلى غيرهم من الأسماء التي كان يقال إنها تكتب الخطب الملكية (لاهاته الأسماء) تفعل ذلك حقا، ولا كل التخمينات والتوقعات في هذا المجال صائبة.

الحقيقة الثابتة هي أن خطب محمد السادس يكتبها محمد السادس بنفسه، وهاته الخطب لها مميزات عدة يسهل اكتشاف الشبه فيها بينها وبين كاتبها أي الملك نفسه، وسبب هذا الشبه هو خيط رابط سهل الاكتشاف لمن كان قادرا على بعض من التمييز وقليل من الانتباه.

[gallery size="full" ids="393763"]

خطب خيطها الرابط الأساسي :الحقيقة

للتأكد من هاته الحقيقة يكفي العودة إلى هاته الخطب ذاتها،إذ هي تحمل في طياتها خيطا رابطا مشتركا ونقطة تشابه دائمة تجمع بينها جميعا.

هذا الخيط الرابط له إسم واحد ووحيد هو : الحقيقة. كيف ذلك؟ التفسير سهل وبسيط..

ملك البلاد في خطبه يضع الحقيقة أمامه هدفا وطريقة كلام ووسيلة إبلاغ لما يريد إيصاله لشعبه. محمد السادس يختار الحقيقة ولو كانت مرة أو صادمة أو مثيرة لنقاش كبير ويعتبرها  الأسلوب البلاغي الأول والأمثل لمخاطبة شعبه.

حقيقة تقدم النجاحات التي تم تسجيلها بفخر مغربي أصيل، لكن أيضا لاتتردد في تقديم الإخفاقات التي تم تسجيلها بتواضع واقعي راغب في التقدم وتجاوز هاته النقائص

حقيقة ترصد ماتم تسجيله على أرض الواقع من إنجازات لايمكن نكرانها نهائيا، لكن تتحدث بلغة صريحة وواضحة مع الشعب عن الطموحات التي يجب الوصول إليها والتي ينبغي أن يتم التجند الجماعي لأجل هذا الوصول ولأجل التمكن من تحقيقها

حقيقة لا تتطرق لمجال واحد، بل تشمل كل المجالات اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية، وتقدم للشعب مايعرفه على أرض الواقع من وقائع، وتخاطبه عن الممكن تحققه في المستقبلين القريب والبعيد، وتحدد مسؤوليات التأخير في مجالات الحياة المغربية كلها، وتسائل كل طرف له علاقة بتلك المجالات لكي يتحمل مسؤوليته أمام الملك وأمام الشعب..

[gallery size="full" ids="393764"]

خطب ملك يكتب مثلما يفكر

لاختصار الحديث عن الموضوع يمكن القول إن محمد السادس يكتب خطبه بنفس الأسلوب الذي يفكر به جلالته. وهذا الأسلوب الذي اكتشفه الشعب المغربي منذ تولي جلالته العرش، هو أسلوب قريب إلى الناس، يصغي باهتمام لتطلعات الشعب، ولا يعتبرها أمورا نافلة أو غير ذات قيمة، بل يقيس بها  توجه المجتمع ويحدد بها طرق سيره وتوجهاته العامة، ويجيب كلما تطلب الأمر ذلك على الأسئلة المطروحة في هذا المجتمع وداخله وعليه بكل الصراحة الممكنة، وبنفس الخيط الرابط أي بالحقيقة.

الأمثلة في هذا المجال لايمكن حصرها إذ هي عديدة ومتنوعة، ودلت كلما تطلب الأمر ذلك على أن التجاوب حاصل وعلى أن التواصل موجود بين الملك وبين شعبه. ولعل أشهر اللحظات التي عاشها المغرب في هنيهة محتقنة للغاية التي أجاب فيها الملك بجرأة وشجاعة وبصراحة هي لحظة خطاب تاسع مارس التاريخي إبان أيام الربيع العربي

كان ذلك الخطاب ردا مفحما من المغرب على كل الأسئلة التي طرحت عليه، وكان دليل تميز لهذا البلد ولهذا الملك عمن عداهما، ولم يكن خطابا عاديا، بل كان طريقة حديث نادرة في عالمنا العربي والإسلامي دلت على أن أسلوب تفكير هذا الملك بالتحديد يختلف عن طرق تفكير الزعماء الآخرين، وخطبه تلتحق بطريقة التفكير المتميزة هاته وتحمل في طياتها دلالات التميز الفعلي والكبير عن خطب أخرى تلقى في بلدان ثانية ولاتتجاوز مرحلة الإلقاء هاته، بل تظل حبيستها ولا تجيب على أي سؤال من الأسئلة المطروحة في تلك الأرجاء.

[gallery size="full" ids="393766"]

خطب لتشريح الوضع، وتحليل تفاصيله

في وقت سابق كانت الخطب مناسبة عادة لتقديم مايشبه الحصيلة في كل المجالات المتنوعة التي تهم الحياة في المغرب، وكانت تتميز بطولها وبتطرقها لعديد المواضيع. مع محمد السادس أخذ الأمر منعطفا آخر إذ تم تفضيل التخصص الدقيق، واختيار تشريح مواضيع بعينها في كل خطاب، بدقة وبتفصيل وإيلائها مايكفي من الأهمية للإحاطة بكل جوانبها، وغالبا يتم اختيار المواضيع التي تكون شاغلة للناس أي موضوع نقاش الرأي العام لطرح إجابات أو بدايات إجابات عنها من خلال إعادة طرح النقاش بشكل سوي، وتحديد طريقة التطرق السليمة لها، واستدعاء مسؤولية المتدخلين فيها لكي يعرفوا أن الملك والشعب يضعان هؤلاء المسؤولين أمام سؤال وجودهم الحقيقي: مسؤوليتهم عن تلك الأوضاع

الملك عندما يختار في خطاب أن يطرح السؤال المباشر "أين الثروة؟" يضع نفسه مع الشعب ويقول إنه مثل الناس تماما يريد رؤية الانعكاس الإيجابي لمايتم تسخيره من موارد على معيش الشعب.

الملك عندما يتحدث في خطاب آخر عن زلزال سياسي سنصل إليه إذا تطلب الأمر ذلك، يتحدث باللغة التي يتحدثها المغربي والمغربية، ولا يتردد في الانحياز لصف الشعب ومطالبة الطبقة السياسية والحزبية بتحمل كل مسؤولياتها لأجل ماهو أهم : لأجل الوطن.

الملك عندما ينزع عن نفسه القداسة في خطاب ملكي ويختار وصف الملك /المواطن يعرف أنه يتحدث لمغربي القرن الواحد والعشرين ولمغربية الزمن الحاضر وأن أشياء عديدة لم يعد لها مكان بيننا وملك البلاد هو أول من يريد الانتهاء منها لأجل المرور إلى الأهم: لأجل المرور إلى المستقبل

الملك عندما يشير إلى مسؤولية الجيران بشكل واضح في قضية وحدتنا الترابية في خطاب ملكي يتحدث بلسان الشعب المغربي كله الذي يعرف أن البوليساريو وهم لم يكن ليولد وليعيش وليواصل الحياة لولا الجزائر.

والملك عندما يتحدث في خطاب افتتاح البرلمان عن التصرفات المسيئة للحياة النيابية يصطف إلى جانب الناس التي تتابع هاته الحياة وتتمنى مستوى أفضل وتقول إن المغاربة يستحقون ما هو أحسن من بعض النواب بكثير.

والملك عندما ينحاز لمغربيته بشكل كامل في خطبه ويقول إن الإنسان إما أن يكون مغربيا وطنيا أو أن يكون خائنا يختار طريقة محمد السادس في التفكير وفي الكلام: طريقة الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، وإن كانت مرة أو لم ترق لأطراف معينة، لكنها في نهاية المطاف تخدم الوطن، و تروق للشعب الذي يجد فيها مايدفعه كل مرة لترديد نفس الجملة بعد كل خطاب "الله يعطي الصحة لسيدنا"، لأن مالايستطيع قوله المواطن البسيط، ويتردد أو يجبن عن قوله السياسي المحترف، يقوله الملك بلغته الخاصة به للناس بشكل واضح وجريء ويطرحه للنقاش في الساحة العامة مسجلا تقدما ينظر إليه الناس بعين الارتياح ويجدون فيه بديلا حقيقيا عن تخوف المسؤولين في غير مامجال وغير ميدان من التطرق للحقيقة مثلما هي..

[gallery size="full" ids="393768"]

خطب تؤمن بأن الرجل هو الأسلوب

لتلك الجملة في ذهن المغربي رنين خاص، فقد نقلتها صحف أجنبية عديدة  ذات يوم على لسان الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله "أنا أنا وهو هو"، وهذه العبارة التي تحدثت منذ وقت طويل عن أسلوب متفرد لمحمد السادس يلمسها الناس اليوم في تصرفات الملك بشكل دائم، ويرونها في تحركاته في مختلف المدن أو البلدان التي يكون فيها، لكن يلمسونها بشكل جماعي وفي الوقت ذاته حين الخطب الملكية، سواء في خطاب العرش أو خطاب المسيرة الخضراء أو خطاب ثورة الملك والشعب أو خلال افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان

لحظات خطابة أصبحت بالنسبة للمغربي لحظات مكاشفة بواقع، وتبادل اهتمام بمصير الوطن، وتوجيه عام نحو المستقبل، وإشارة لمواطن الخلل، وتنبيه لدور كل في منصبه أو موقعه عما تحقق وعما لازال ينتظر التحقق

لحظات يمكن اختصار كل حديث عنها بالقول إنها لحظات وحده محمد السادس يستطيع صنعها ويستطيع كتابتها لكي يقولها للناس بأسلوبه الخاص به، وبالطريقة الأكثر صراحة التي تجعلها تصل إلى هؤلاء الناس بسهولة ودونما الحاجة إلى وسائط أو جسور بين ملك وشعبه وجدا الوسيلة المثلى للتواصل المباشر بينمها المبني على الصدق المتبادل وتفضيل الحقيقة، ووضع المغرب أولا وآخرا على رأس وفي مقدمة كل الاهتمامات