AHDATH.INFO

العشاء ما قبل الأخير!

[gallery size="full" ids="416073"]

لم يكن المشكل إطلاقا في وضع قنينات الجعة على الطاولة، أو في تدخين تلك اللفافات الساحرة من التبغ التي تذهب بذهن البعض، وتفتح للبعض الثاني في ذهنه آلاف العوالم. ولم يكن المشكل في اللغة المتداولة للنقاش، والتي اختارت الدارجة من أجل الاقتراب من الناس. ولم يكن المشكل في وضع الطعام على الطاولة أثناء النقاش والشروع في الأكل أثناء الحديث رغم أن المسألة غير مؤدبة كثيرا.

لا، بالعكس، هذا التهييء الشكلي للنقاش مبتكر وجديد على العين المغربية، وإن كان قديما للغاية بالنسبة لمن يشاهدون البرامج الفرنسية، ويعرفون أن تييري آرديسون من بين آخرين، كان ينظم حلقات حوارية حول طاولة العشاء ومشروباته منذ سنوات عديدة، بل منذ عقود، وأن البرنامج - مع احترام الاختلاف التام للقامات التي كانت تحضره عن ضيوف اليوم - كان يحمل عنوان «93 faubourg saint honore».

المشكل كان في مكان آخر تماما. المشكل يوجد في انتفاخ الرأس، الذي يجعل البعض يتصور أن الكون يدور حوله، وأن رأيه في السياسة المغربية هو الرأي الوحيد الحصيف، وأن الآخرين، كل الآخرين، إما «بياعة»، أو «عياشة»، أو «ممخزنون»، أو مشتغلون تحت الأمر والطلب.

هو وحده يملك الحقيقة المطلقة، وهو وحده يفهم شعارات الشارع، وهو وحده يتقن الحديث للشباب، وهو وحده يستطيع تحليل خطاب ملكي دون أن يشاهده أو يستمع إليه، وهو وحده لديه حل مشاكل المغرب كلها، وهو وحده يستطيع تشغيل كل العاطلين وإن لم يستطع تشغيل نفسه، وآخرون هم الذين شغلوه بتلك الدولارات التي تقارب الستة آلاف التي تأتيه كل شهر، وهو وحده يستطيع أن يكون صحافيا في وقت سابق، لكن حقوقيا في الوقت الحالي، ومع ذلك معارضا في الوقت الثالث، وهو وحده الذي يستطيع ألا يضع يده في الوطن في أي شيء، لكن يحق له انتقاد كل شيء من أبسط خطوة إلى أكبرها وأشدها وقعا على الناس.

هذا الغرور القاتل لم يصب شخصا واحدا في المشهد العام، ولا شخصين ولا ثلاثة. هو داء فتاك مس هاته النخبة الذاهبة لحال سبيلها، التي تأرجحت في مقامها بين ما كانت تراه سابقا، وبين ما أصبحت تشاهده حاليا، دون أن تستطيع هي ملء الفراغ الموجود بين المرحلتين، والتي كانت هي عنوانه الأكبر والأبرز والرئيس.

يوما ما قالها رجل حكيم لمن يريدون الإنصات إليه «المغرب خرج من عهد زعاماته التاريخية التي كانت تملأ الدنيا وتشغل الناس بما قدمته في تاريخها الأول إلى عهد «أشياء» (مجرد أشياء) تتحرك في المجال، لا هي قادرة أن تنسي الناس الكبار الذين كانوا، ولا هي قادرة على الإتيان ببديل. يبقى لها الصراخ بمختلف الأشكال المضحكة لكي تملأ المجال، ولكي تقنع الناس أو تذكرهم بوجودها المرة بعد الأخرى».

صدق الرجل فعلا، وكذبت عديد التفاهات. إذ عندما تكون عاجزا عن الوجود الفعلي على أرض الواقع، يبقى لك الوجود الافتراضي، تختلقه، وتخلق لك مكانا فيه، وتجد من يمنحك قليل المال لأجل ربط الأزرار الكهربائية ببعضها، ولأجل وصل خيط الكهرباء، ويبقى لك الكلام، والكلام والكلام، ولا شيء غير الكلام.

تلك هي الحكاية قبل العشاء، وبعده وأثناء كل الوجبات، سواء سريعة الهضم الخفيفة على المعدة، أو تلك المتعسرة الأكل والازدراد وصعبة بل مستحيلة الوضع في النهاية المطاف، أعز الله قدر الجميع...

سوريا الأسد: والآن؟

[gallery size="full" ids="416076"]

قال وزير الدفاع الفرنسي إنه يجب الاعتراف بأن بشار الأسد ربح الحرب، لكنه لم يربح السلام.

جملة الوزير الفرنسي لودريان أتت على أمواج إذاعة حاملة معها كل حيرة العالم في التعامل مع هذا الفيلم السوري، الذي ابتدأ ذات ربيع عربي ولم يجد أي وسيلة للانتهاء إلى حد الآن.

لم يجد، ولن يجد بكل تأكيد، لأن كل الأطراف دخلت المعترك السوري، ولأن الحكاية التي حاولت ترويج نفسها باعتبارها هبة شعبية للسوريين من أجل الحرية والتخلص من ابن حافظ، تحولت إلى مستنقع دماء ومعترك لعب سياسي بين العديدين، وإلى دوامة جرت العديدين إلى تياراتها المتلاطمة.

الروسي وجدها طريقة لتجديد عتاده العسكري، ولإثبات قوته في وجه الأمريكي، الذي وجدها فرصة سانحة للنيل من الإيراني وأخذ المال من الخليجي، الذي كان يعتقدها لحظة التخلص من السوري حليف الفارسي، وهنيهة الانقضاض على الشام الذي كان خصيبا، والذي كان جميلا، والذي كان كل الأشياء، ولم يعد اليوم أي شيء.

في المحصلة الختامية، وبعيدا عن الشعارات الكاذبة التي تم بيعها سنة 2011، وبعيدا عن اللعب السياسي القاتل الذي تلاها، يكفيك أن تتجول في الشوارع، وأن تلتقي سوريين وصلوا المغرب، أو دلفوا إلى أوربا، أو تاهوا في شوارع الجزائر، أو ماتوا فقرا وفاقة في بقية الأماكن، بعد أن فقدوا أعز ما يملكون، وبعد أن فقدوا معهم كل ما يملكون، لكي تكتشف حجم المصاب الذي لا تلزمه لجان دولية لكشف القصف الكيمياوي أو غيره طالما أن البؤس الظاهر بالعين المجردة المسلط على شعب كان كريما وكان عزيز النفس وكان كبيرا، كاف لكي يقول كل شيء...

ومع ذلك لازالت القنوات التلفزيونية الكاذبة تدبج تقاريرها الباكية بدموع التماسيح عن نكبة الشعب السوري. ومع ذلك لازالت الاجتماعات تعقد نفسها بنفسها لكي تجل حلا لمشكل صنعه الكثيرون، ولن يجد طرفا واحدا لكي يحله.

الأنكى والأمر أن سوريا ليست وحدها المعنية بهذا الدمار، ففي مكان ما هناك ليبيا تحاول دونما نجاح جمع شتات القتل، وفي الأمكنة الثانية والثالثة التي مر منها الشعار الكاذب خلال ذلك الربيع الموحش هناك موت يطوف في كل الأرجاء.

لنجلس يوما بهدوء ولنعد إلى طرح السؤال: من أطلق بداية الأمر بكل كذب الكون هذا الشعار؟

ربما إذا ما وجدنا الجواب، وجدنا بعضا من بداية طريق لحل عديد الأشياء، أو على الأقل لفهمها إن كنا غير قادرين على هذا الحل.