AHDATH.INFO

ميمون الوجدي: صدمة كبيرة !

[gallery size="full" ids="433324"]

لا أعرف متى عرف المغاربة الراي. لكن أعرف متى عرف المغاربة ميمون الوجدي، أو من كانوا يسمونه الشاب ميمون.

ذات لحظة من ثمانينيات القرن الماضي، اكتشفت أذن المغاربة صوت هذا الرجل القادم من الشرق، القابع وراء "سانتي" من نوع لم نعد نراه اليوم في المشهد الفني، وهو يغني غناء آخر غير الذي تآلف معه الناس

غاب الجوق المكون من أفراده العديدين، وانتهت حكاية ذلك الكمان الموضوع بعناية فوق الكتف، وشرعت صورة المغني أو المغنية الممتثلان لحركات عبد القادر الراشدي رحمه الله التي كان يحفظها الشعب عن ظهر قلب بسبب أو بفضل سهرات السبت الشهيرة

مقابلها أتى ميمون لكي يغني الحب بطريقة أخرى، لكي يغني الحياة بطريقة أخرى ولكي يغني باختصار بطريقة أخرى

"جيت عندك تواسيني أنا ماعني زهر"، حفظها الناس وحفظوا معها لقب المغني ميمون، وحفظوا الأهم : حفظوا تلك "الشاب" التي لم تفارقه منذ شهرته وحتى انتقل إلى عفو ربه السبت

مات ميمون وفي نفسه حسرة نسيانه في السنوات الأخيرة، ولولا سهرة جميلة ارتكبها بجمال باذخ صديقنا عبد السلام الخلوفي في "دوزيم" منذ حوالي السنتين تذكر فيها ميمون وذكر به الجيل الجديد لما عرف هذا الأخير أن هذا الرجل الذي رحل السبت كان نجم سنوات الثمانينيات بدون منازع، وأن الشاب خالد أو الأسطورةالآنخالدكانيحلمبمنافستهفيقلوبعشاقالراي ليس في المغرب فقط بل في الجزائر وفي دول المهجر أيضا.

حاول البعض في المدة الأخيرة أن يقيم لميمون سهرة تكريمية أو سهرة لجمع المساعدات أو شيئا من هذا القبيل. اختلف المغنون مع بعضهم البعض، وبقي ميمون حبيس حزنه ومعاناة المرض في الساعات الأخيرة من العيش. رحل بعد دخول وخروج متكرر من المستشفى. رحل وفي نفسه أكثر من غصة تاركا لنا أن نحلم بيوم آخر في هذا الميدان الفني يرحل فيه كبارنا بشكل كريم، وعندما يرحلون نقيم لهم التكريم الذي يستحقونه، مثلما تودع فرنسا أو أمريكا أو بريطانيا أساطيرها الفنية التي غنت لها البسيط من أشياء الحياة، والتي أفرحت أجيالا عديدة وأمتعتهم، ويحق لها حين الرحيل أن يقال لها ولأبنائها وللأحفاد "شكرا".

في البال أغنية لميمون تصدح بنفسها ولا تنتهي عن التكرار "صدمة كبيرة والقلب كان ديجا فحيرة، قلبي، كان ديجا فحيرة العمر،

كاوياتو الحيرة قلبي

زرة توالي زرة، ورياح جارة

هرسي أنا قلبي مالقيت لو جبيرة قلبي

مالقيت لو جبيرة"

رحم الله الشاب ميمون الوجدي

مصطفى مديح: وداعا للأنيق !

[gallery size="full" ids="433325"]

ولأن المصائب لا تأتي فرادى ولأن للأحزان قدوما جماعيا مرعبا يهاجم القلب فجأة ولا يكتفي، فقد حمل الأحد صباحا أي الأحد الموالي خبر رحيل مصطفى مديح الإطار التقني المغربي الأنيق للغاية، المؤدب للغاية، والدارس للغاية

كل من يعرفون الكرة المغربية عن قرب يعرفون قيمة مديح، وحتى الجمهور العادي للكرة، وإن لم يكن ذا خبرة بالتفاصيل الدقيقة إلا أنه يعرف أن المدرب الذي كان يحمل اللقب المحبب من طرف الجمهور "قل قسم" في الملاعب الكروية المغربية  كان رجلا استثنائيا ولم يكن يشبه إلا قلة قليلة من المدربين المغاربة الآخرين.

هو من طينة أولئك الذين يقدرون مهنتهم حق قدرها ويريدون لهاالارتقاء ولا يريدون للمدرب أن يكون مجرد "شيفون" في يد الرئيس.

وهو من طينة أولئك الذين حلموا للكرة المغربية بعد عودته من بلجيكا بأن تكون نتاج تكوين، وأن تضع نصب عينها تخريج الأجيال وراء الأجيال من اللاعبين. وهو من طينة أولئك الذين تمنوا في قرارة أنفسهم أن يأتي يوم على المسير المغربي للكرة يؤمن فيه بشكل لا يقبل ترددا ولا جدالا بالإطار المغربي الكفؤ، ويضع المنتخبات كلها بين يديه ويعطيه مهلة من الوقت كافية لكي يرى النتائج، ولكي يلعب هذا المدرب كل أوراقه مع أبناء بلده الذين يحفظ عقلياتهم ويعرف إلى أين يمكن أن يصلوا. وهو من طينة أولئك الذين كانوا يؤمنون بالدوري المحلي وإن بدا شاحبا أو باهتا ومبارياته لا تبعث على تفاؤل، لكنه كان مقتنعا أن تطوير مستوى الفرق المحلية والدوري ككل هو الحل لوضع قاطرة الكرة في هذا البلد على المسار الصحيح

يحتفظ له جمهور أكادير بالذكرى الطيبة، ويحتفظ له الخريبكيون بذكرى اللقب التي لن ينسوها أبدا، ويحتفظ له المغاربة بتقدير كبير، ويحتفظ له الصحافيون الذين عاشروه وعرفوه عن قرب باحترام لايوصف لأنهم عرفوا مثقفا رياضيا حقيقيا، وليس محتالا أو نصابا من هؤلاء الذين ابتلى الله بهم كرتنا المحلية

لسبب لا أعلمه، عندما سمعت خبر رحيل مديح،  تذكرت الراحل بليندة يوم الأحد وأنا عائد من طنجة حيث لاعبت الرجاء الوداد الفاسي، وحيث صنع الواف مفاجأة من العيار الثقيل وهو  يقصي "الخضرا الوطنية".

تذكرت ملامح عبد الله الصارمة، وهو يعود من المونديال الأمريكي ذات تسعينيات من القرن الماضي، وقد تحمل مالم يتحمله أحد قبله، وتذكرت اللوزاني الذي لم يرافق المنتخب وتذكرت فاخر الجنرال المظلوم في كرة بلاده، وتذكرت عبد الله السطاتي الكبير وتذكرت العماري الأكبر، وتذكرت يومير الذي قاد "الكوديم" ذات يوم نحو تألق لم يعد، وتذكرت الأنطاكي مالقا، وتذكرت  فاريا رحمه الله من رحلوا وأطال الله أعمار الباقين، وتذكرت أسماء عديدة من مدربي الأوقات التي ذهبت وأيضا مدربي الأوقات الحالية، وتذكرت كم هو مظلوم المدرب المغربي في وطنه، وكم حقه مهضوم، وكم يعاني.

رأيت في الصورة، في البرواز الرياضي الفني ميمون ومديح يرحلان على بعد أربع وعشرين ساعة من الفارق. أحسست بألم حقيقي في دواخل الدواخل. ترحمت عليهما مثلما فعل جل المغاربة الذين أعرف ومضيت إلى أشياء أخرى، فقد علمتنا هاته اللعينة المسماة الحياة أن الفرجة يجب أن تستمر بنا أو بدوننا، لا فرق على الإطلاق.