AHDATH.INFOأعجوبة الزمان[gallery size="full" ids="478470"]

في الفاتح من ماي من سنة 2005 سجل هدفه الأول مع برشلونة. أول أمس الأربعاء أي الفاتح من ماي من سنتنا هاته سجل هدفه رقم 600.

لا مجال هنا لأي صدفة فلعبة الأرقام لا تكذب، وهذا الفتى المسمى ليو ميسي هدية حقيقية لهذا الجيل الذي أتاحت له العناية الربانية أن يرى إنسانا خارقا يلعب الكرة بهاته الطريقة ويهدي للعالم بأسره لحظات الفرجة الخرافية هاته كل مرة

أزعم أنني أعرف قليلا في الكرة، فقد ابتليت بها وبالفرجة عليها منذ الزمن الأول للصبا. وأزعم أيضا أنني شاهدت لاعبين كثرا عمالقة وكبارا يصنعون بالساحرة المستديرة العجب العجاب. لكنني أكاد أجزم أنني، أنا والعياذ بالله من قولة أنا وبقية من يعيشون معي اليوم على سطح هذا الكوكب الأرضي لم نشاهد مثل ميسي ومثل مايفعله ميسي منذ أن اخترع الإنجليز الكرة وحتى الآن

لا يهم إن كانت البارصا ستفوز هاته السنة بكل الألقاب أو بجلها. يهم أن هذا الفتى القادم من روزاريو، ومن الأرجنتين العظيمة تلك التي أهدت العالم الطانغو والكبير مارادونا وبقية الجماليات، كتب إسمه بأحرف من ذهب ومن كل المعادن النفيسة في تاريخ الكرة، وفرض على الجميع منذ أن بدأ لعب الكرة أن يطرحوا السؤال: كيف سيكون حال كرة القدم حين سيعتزل ميسي اللعب؟

الكرة في نهاية المطاف ليست لعبة. لو كانت لعبة لكانت ذات قواعد محدودة، ولكانت ذات شغف محدود، ولكان أثرها مقدورا على التحكم فيه

الكرة هي ذلك الإحساس الإنساني الجميل والجارف الذي هز المقاهي في المغرب وهز نفس المقاهي في مصر - رغم وجود صلاح في الفريق المنافس- وهز المقاهي ذاتها في نيويورك، وفي سيدني وفي كل مكان من العالم نقل اللقاء وجعل أصوات الآدميين على اختلاف الأمكنة التي يوجدون فيها تقول بنفس النبرة، بنفس الاندهاش، بنفس الانبهار بعد الهدف الثالث في شباك ليفربول "رباه، ماهذا؟"

أعطوني شيئا واحدا في العالم - عدا الفن - يستطيع دفع البشرية إلى نفس التعبير في نفس الثانية على اختلاف الأرجاء ؟

لايوجد. قطعا لايوجد. لذلك نحن محظوظون أننا نعيش في زمن يلعب فيه ميسي الكرة أو في زمن يعزف فيه ليو أمامنا كل مرة هاته المقطوعات الرائعة ولا يكتفي ولا نكتفي

يارقاة المغرب اتحدوا !

[gallery size="full" ids="478472"]

لم أفهم سبب استغراب الفسابكة المغاربة من الرقاة "الشرعيين" وباعة الأعشاب الذين  أظهرتهم الصورة في فاتح ماي وهم يتظاهرون مع الطبقة العاملة المغربية

لا أفهم ولا أستوعب كيف أن شعبا 99 بالمائة منه تؤمن بالعين وبالسحر وبالتقواس وبالتابعة وبالجنون الذين يسكنون "بنادم" وببقية العجائب المتعجبة لا يقبل أن يخرج الرقاة الذين يقولون إنهم يعالجون الناس بالرقية التي يصفونها بالشرعية إلى الشوارع لكي يطالبوا بتنظيم مهنتهم وإلحاقها بوارة الصحة

لو كنت راقيا في المغرب أو عشابا أو حتى منتحل صفة معالج رباني، لخرجت يوميا إلى الساحة المقابلة للبرلمان لكي أطالب بتخصيص أجر شهري لي من النوع الفخم يقتطع من جيوب كل المغاربة دون استئذانهم، لأن شعبا يقول لك لكي يفسر إحباطاته "راني متبوع آخويا" أو لكي يفسر عنته في الفراش "دايرين ليا الثقاف وراميين القفل فمولاي ابراهيم"، أو لكي يفسر فشله في الامتحان الذي لم يهيء له أصلا "ضرباتني العين آمعلم، أما راه كنت فصغري حفاظ"، أو لكي تشرح سبب بقائها في منزل الوالدين وقد تجاوزت سن الثمانين "الله يعطينا زهر الخايبات، هلكوني بالشعوذة آختي"، شعب مثل هذا يستحق أن يدفع لهؤلاء الرقاة الكثير من المال وإن لم يقدموا له شيئا

في زمن آخر أتذكر صديقا لي أتى من بلد أوربي عريق ورفيع تابع فيه دراسته، ونال فيه وظيفة في المجال العلمي، وكان يعطينا عن بعد صورة الرجل الكامل المكتمل.

عندما التقيته في المغرب كان جد محبط، سألته "مابك؟" قال لي "جيت نزور". سألته "الوالدين والعائلة وقبور الأحباء ممن رحلوا؟". قال لي "لا جيت نزور الولي الفلاني حيت المشاكل اللي عندي لهيه مابغاتش تسالا".

للأمانة ودون أي ادعاء شجعته على الزيارة، وقلت له "سير تزور آخويا سير تزور والله ينفعك بالزيارة".

منذ ذلك الحين تغيرت صورة ذلك الصديق في عيني، وأصبحت أنظر إليه باعتباره واحدا من هذا الشعب الذي قد يقوم بهاته ويقول تلك ولا يجد أي تناقض في الأمر، ويحرص أيما حرص على أن يراقب الآخرين وأن يتفحص حياتهم بتفاصيلها، وهو يقول لكل من يريد أن يسمعه "تامال بنادم غير حاضيني، واتبعوني، والله لا طفرتوه".

يارقاة العالم اتعظوا واتحدوا وقننوا مهنتكم، فأوقات ازدهار طويلة لازالت في انتظاركم معشر المعالجين والعشابة