AHDATH.INFO

الرجوع لله آهياتا!

[gallery size="full" ids="489980"]

عاد العقل أخيرا إلى المتناحرين في مواقع التواصل الاجتماعي من مغاربة وتونسيين حول مباراة في الكرة، هي في نهاية المطاف مجرد مباراة للكرة. واستوعب من سبوا بعضهم بعضا منذ لحظة إيقاف مباراة الترجي والوداد بعد رفض الحكم و«الكاف» والترجي تشغيل تقنية الفيديو أن الأمر لا يستحق كل هذا الصراخ، وأن الغباء الذي تغلب على العقل هو الذي أنتج الضوضاء الجاهلة التي رافقت الموضوع ككل.

انتبه التونسيون إلى أن المغاربة أقرب شعوب المغرب الكبير إليهم، وفطن المغاربة إلى أنهم لم يسبق لهم أن دخلوا في شنآن من هذا النوع مع إخوانهم التونسيين، وفجأة شرع الجميع في طرح السؤال: من المسؤول عن الفتنة التي قامت بسبب مباراة في كرة القدم فقط لا غير؟

هنا ندخل منطقة الأهمية في هذا النقاش، لأن دور المسؤول عن النادي ودور المسؤول الجامعي ليس هو الانخراط بحمية جاهلية وجاهلة في الدفاع عن منصبه في الفريق الذي يسيره أو في الجامعة التي يقودها.

دور المؤطر الرياضي الحقيقي (مدربا كان أم رئيسا لنادي أم رئيسا لاتحاد محلي) هو أن يتعامل بالعقل في المَوَاطِنِ التي يضيع العقل فيها، وهذا بالتحديد ما يميزه عن الجمهور العادي الذي قد يتورط في الشغب وفي التكسير وفي إتلاف الممتلكات الخاصة والعامة، وطبعا تدينه لكن تجد له عذرا في عدم تربيته أو عدم تشبعه بأخلاق الرياضة الحقيقية أو غير ذلك من التبريرات التي تظل تبريرات لا أقل ولا أكثر، لا تشرعن عنفا ولا تعذره.

المشكل يبدأ عندما يتصرف رئيس النادي أو رئيس الجامعة تصرفات المشجع العادي، وينزل إلى أرضية الملعب، وقد يتمادى ويعتدي على حكم أو لاعب، وقد يدخل في سباب لفظي وشتائم لا تليق مع مشجعين أو مع رجال أمن.

هنا يعطي هذا المسؤول الدليل على شيء واحد ووحيد: أنه غير مسؤول البتة.

ودعونا من عبارات العاطفة التي هزت الجميع منذ ذلك اللقاء المحزن/المخجل في تونس، ولنتحدث كلام العقلاء المصان عن العبث: الوطنية لا تشفع لك في أن تسيء لبلدك وللمنصب الذي تحتله في بلدك، أو للفريق الذي تمثله في بلدك.

الدفاع عن الوطن لا يكون باقتراف زلات غير مقبولة أمام أعين الكاميرات، وتحت أنظار ملايين المشاهدين.

لذلك وعندما هدأ الناس وذهبوا إلى القانون بكل عقل في باريس انتصروا وعادوا من العاصمة الفرنسية بقرار في صالح الوداد. أما عندما تركوا لحميتهم أن تسوقهم، فقد رأينا الحكم تيسيما يبكي في مباراة بركان والزمالك، ورأينا بعد ذلك ما وقع في مباراة رادس بين الوداد والترجي...

لنقلها بكل صراحة: نحن لسنا بحاجة في المغرب إلى رؤساء أندية كروية يشبهون مرتضى منصور. نحتاج أناسا عاقلين يفهمون أن الكرة سفير من سفراء هذا البلد، وعلى كل المتدخلين فيها مسؤولية تقديم أفضل الصور عن هذا البلد الذي لا يستحق إلا الأفضل مهما حاول المتهورون أن يصوروا لنا كل ما تورطوا فيه لحد الآن باعتباره وطنية وحماسة لأجل البلاد والراية وبقية المبررات..

نحن نعرف أن أغلبيتهم لا تتحمس إلا إذا كانت مصلحتها هي التي تتعرض لتهديد ما.

أغلبيتهم وليس كلهم لحسن الحظ، والآن لا مفر منها: العودة إلى العقل والتوقف عن الحماقات والصبيانيات، فلن نعادي دولا تجمعنا بها روابط تاريخية أمتن من المتانة لكي نرضي خاطر هذا أو ذاك...

من نقل.. انتقل!

[gallery size="full" ids="489979"]

البرلماني، الذي ضبطوه في امتحانات الباكالوريا مزودا بثلاثة هواتف نقالة قصد الغش بها، هو نموذج البرلمانيين الذين يقنعوننا دوما وأبدا أن فعل التصويت حرام في حرام إذا كان سيأتي بأمثالهم إلى القبة الموقرة.

قبله عرفنا برلمانيي الحلوة الذين يسرقون كعك الافتتاح في الدورتين، وعرفنا برلمانيي التعويضات الذين يسنون لأنفسهم كل مرة ما يكفيهم للعيش الرغيد على حساب هذا الشعب الفقير، وعرفنا برلمانيي اللوائح الذين يستحيل أن يصلوا إلى القبة إذا ما خاضوا المعركة الانتخابية وجها لوجه مع المواطنين، وعرفنا برلمانيي السباب الساقط والتنابز بالألقاب، وعرفنا برلمانيي الفلوس الذين تأتي بهم أموالهم فقط إلى الأحزاب ومنها إلى تشريع القوانين لنا ولأبنائنا وللأحفاد من بعدنا، وعرفنا عديد الكوارث هناك... لذلك لا اعتراض.

ولذلك أيضا دعونا نجد في حركة برلماني الهواتف النقالة بعض الإيجابيات، وأهمها إيجابية الاقتناع بأن الحصول على شهادة دراسية وإن في وقت متأخر هو أمر طيب للغاية، ويعيد للتعلم والتعليم بعضا من القدر في هذا الزمن الذي يمتهن فيه فعل القراءة ومحو الأمية والدراسة. وربما شفعت له هاته الإرادة الطيبة والنية الحسنة لكي يسمح له في لاحق الأعوام باجتياز هذا الاختبار، ولم لا منحه الشهادة بشكل شرفي وفخري فقط لأنه اقتنع بأن الجهل عار وبأن الدراسة أمر إيجابي ولا بأس به في نهاية المطاف.

هذه لوحدها شفاعة تجوز لتخفيف العقوبة عن الرجل، كما أن اعتذاره عن خطئه، وقوله إنه لم يغش لكنه اقترف خطأ  بنسيانه للهواتف الثلاثة داخل جيبه، وهو إجراء روتيني بالنسبة إليه بحكم التزاماته المهنية التي تفرض عليه البقاء «كونيطكي» مع العالم الخارجي حتى يوم الامتحان، أيضا يخففان من وقع زلته..

ولأننا تعلمنا أن الإنسان يكرم أو يهان في يوم الامتحان، فإن موقف الحزب الذي ينتمي إليه النائب النقال أو عفوا النائب صاحب الهاتف النقال أي حزب العدالة والتنمية يدل على رسوب جديد لهذا الحزب في حكاية التخليق التي يشنف بها أسماع من يريدون تصديق كلامه، خصوصا وأن ما استطاع الوصول إليه هذا التنظيم من قرار في هاته النازلة هو فتح تحقيق للتأكد من ملابساتها والإحاطة بكل تفاصيلها، والله من وراء القصد وهو وحده القادر على أن يعين الجميع للإحاطة بكل الملابسات، وكان الله في عون هذا البلد الذي لا يستطيع الثقة في نوابه المحترمين حتى وهم يرتدون جبة التلاميذ ويقررون العودة إلى مقاعد الدراسة لإصلاح ما أفسد الدهر...

يبقى سؤال صغير في ختام الختام هو: كيف ستقنع صغيرا في السادسة عشر من العمر بألا يلجأ إلى «النقيل» في الامتحان وهو يرى أمامه نائبا عن الأمة ينسى داخل جيبه ثلاثة هواتف نقالة دفعة واحدة يوم نفس الامتحان؟