AHDATH.INFOمجرد نوستالجيا عابرة ![gallery size="full" ids="542299"]لعلني كنت أتابع "الجزيرة" أو "العربية" أو قناة إخبارية أخرى، وهي تنقل أخبار العراق وإيران الملتهبة هاته الأيام حين  أتاني هاتف من زميل وصديق عزيز يقول لي "شوف الثقافية (القناة الرابعة) دايرين واحد البرنامج رائع على مكناس".أخبرني الزميل العزيز، ويتعلق الأمر بصديقنا الجميل لحسن العسيبي، أنه يكتشف من خلال البرنامج المدينة الإسماعيلية والحاضرة الجميلة، وأنه فعلا مندهش لما يراه مسرا لي أنه كان دائما يعبر المكناسة فقط، ولم يدخلها يوما لكي يكتشفها حقا، قبل أن يقول لي معاتبا "ماكتهضروش على مدينتكم ونتوما عندكم هاد الجمال كامل".اعترفت لصديقنا أنه حرك في القلب والدواخل لواعج نخفيها ونصر على نسيانها والكتمان، لأننا نعرف الجوهرة التي ولدنا فيها وعشنا فيها القسط الوافر من العمر، ونعرف أنها أجمل من الجمال، لكننا نعرف بالمقابل أنها - المسكينة - وقعت في الفخ، ودارت بها الدنيا دورتها اللعينة، تلك التي تجعلك مضطرا لأن تسلم قياد الانسياق لمن لا يعرفون لك قيمة، ولا يقدرون لك شأنا، ولا يعلمون عنك إلا القشور.كدت أعترف لصديقي إننا تعبنا، وأننا مجموعة من مكناسيي الشتات، بالإضافة إلى القاطنين في المدينة والقاطنة فيهم، لم نعد نستطيع حتى سرد الماضي الذي عشناه للصغار لأنهم لا يصدقون ماندعيه عندما يقارنونه بالحاضر.كدت أقول له إننا عندما نزور اليوم المكناس،‪ ‬نتلافى اللقاء مع كثير من علامات الماضي لئلا نقلب على النفس المواجع. كدت أقول له إننا نعرف قيمة الكنز المتراص وراء الأسوار الإسماعيلية، وأننا نعتبر المدينة متحفا تاريخيا مفتوحا كنا نعيش فيه، وأننا لا نسميها فيما بيننا إلا البذخ التاريخي المهمل، وأننا نؤمن في قرارة النفس أنها كانت لتكون أفضل مدن المغرب سياحيا لو وجدت من يأخذ بيدها، ومن يقدر قيمتها، ومن يتقن التعامل مع مآثرها، ومن يستطيع أن يصنع منها ماهي عليه حقا.تلك الحاضرة امتداد للرحابة الحضارية الممتدة من عمق إفريقيا، هي التي فتحت ذراعيها للوافدين من تافيلالت والنواحي حتى أصبحوا أبناء أصليين لها، والذين وجدوا فيها الساكنة المدينية الأولى المكونة من العائلات اليهودية المغربية والعائلات المسلمة العريقة، والذين التقوا فيها بقدرة الراهبات على تدريس أبنائها وبناتها الصغار والصغيرات فنون العيش في المدارس التي كانت تفتحها البعثات المسيحية بكرم نادر التكرار.تلك الحاضرة التي أصبحت اليوم نسيا منسيا، وتعرضت لتهميش غير مفهوم، ولإقصاء ظالم على امتداد سنوات وسنوات، امرأة مغربية فاتنة، جميلة، حكم عليها الجهل وعدم الاعتراف ببهائها، وعدم القدرة على التحديق مليا في ذلك البهاء أن تنزوي في الظلال، أن تردد في الزوايا وبين الحواري القديمة أذكارها وأناشيد التصوف والحضرة، وأن تنتشي بملحونها تجد فيها العزاء وكثير السلوان، وأن تتملى في بنت الكرم المحيطة بها من كل الجوانب رفقة الزيتون التي كانت مكناسته لكي تنسى بها المآل.أعادني البرنامج إياه، وأعادتني أساسا مكالمة صديقنا العزيز إلى كل هذا ويزيد، ووجدتني وقد انتهى البرنامج منخرطا في نوستالجيا لعينة أهرب منها دوما وأبدا، لكنها عادت هاته المرة، وستعود دوما وأبدا، عنوانا على أنها لم تنقرض أبدا، ولن تزول أبدا، وأنها ستظل قابعة في الركن القصي من الذاكرة ومن الفؤاد تنتظر فقط مثل هاته الفرص لكي تعلن عن نفسها جارحة قاسية مثلما فعلت ذلك الإثنين.شكرت في قرارة النفس الصديق والصدفة والبرنامج، وشكرت هذا الانتماء الداخلي الذي لم يزل ولن يزول أبدا، وتمنيت أن يأتي يوم على الفيرساي المغربية تستعيد فيه ماكانت عليه من بهاء وتدرك - أو يدرك من يتولون تسييرها - أن بين أيديهم جوهرة ثمينة من العيب أن يفرطوا فيها بكل هذا الغباء والهباء والفناء.ترحمت على من رحلوا، تذكرت "الكوديم" التي كانت، جلت في أرجاء التذكر في الملاحين القديم والجديد، وتركت للخيال أن يطير إلى هناك، حيث الماضي الجميل كان يكتب تلك القدرة على التعايش العالم بين عشاق ذلك المكان…ثم عدت إلى "الجزيرة" أو "العربية"، لا أتذكر، أبحث فيها عن استكمال متابعة للخراب الدائر في الشرق منذ قديم الأيام.ترامب VS العصبة ![gallery size="full" ids="542302"]في اليوم ذاته التقينا مع خطأين في الرقن وفي الإرسال. الأول نابع عن عصبتنا الاحترافية المحترفة، بل والموغلة في الاحتراف لكرة القدم وهي تخلق جدلا من عدم بعد أن أخطأت في رقن شهر بالكامل.والثاني نابع عن واشنطن التي أخبرت العالم بأسره إنها قررت أن تشرع في الانسحاب من العراق، قبل أن تعود في الليلة ذاتها، أي الإثنين الماضي، في التصريح أن الأمر يتعلق بمسودة فقط أرسلت عن طريق الخطأ إلى وسائل الإعلام.في الحالتين معا، ومع احترام الفوارق الهائلة والبون الشاسع بين انسحاب واشنطن الخاطئ من بغداد، وبين انسحاب الرجاء من لقاء الجديدة بسبب لخبطة العصبة المحترفة / الاحترافية، لا مفر من الاعتراف أنه جل من لايخطئ سبحانه وتعالى، وأن الإنسان بطبعه خطاء، وأن ديننا علمنا بأن أفضل الخطائين هم التوابون، وأن دروس الحياة لقنتنا بأنه من الخطأ يتعلم الإنسان، وأن المعصوم الوحيد في هاته الحياة من "الفالطات" و"الفالطات" المتكررة هم الملائكة والأنبياء، أما الرؤساء، سواء كانوا رؤساء دول مثل ترامب أو رؤساء أندية وعصب وما إلى ذلك فهم أيضا بشر يصيب مرة فمرة ويخطئ مرات ومرات…يبقى السؤال المطروح أخيرا عن الخطأ المقصود، والآخر الذي ينتج عن حسن النية، وطبعا نحن نفترض حسن النية في الصديق ترامب وطاقمه، ولا نتصور أنه قام بها عن سبق ترصد أو إصرار.نفترض ونحسن الظن بالناس، والله أعلم بما في خفايا الصدور بطبيعة الحال "آسميتك" !