AHDATH.INFO

سميرة فرزاز- تصوير محمد وراق

على مدار الساعة، تسود حالة من التعبئة لاستقبال حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد.. حريصون على أدق التفاصيل لمساعدة المصابين على الشفاء، يفرحون لشفائهم ويودعونهم بالدموع عند خروجهم من المستشفى في اتجاه بيوتهم، لكن ومع ذلك تشعر الأطر التمريضية على وجه الخصوص، لأنها الأكثر احتكاكا بالمرضى، بضغوط نفسية أكبر بسبب شروط العزل الصارمة، وضرورة ارتداء الزي الواقي من الفيروس لفترات طويلة تمتد من ثلاث إلى خمس ساعات في اليوم، حيث يقيد هذا اللباس الخاص حركتهم بشكل غير طبيعي، ولهم مع هذا «الزي الكوروني» حكايات.يعيشون معركة يومية مع وباء كوفيد 19، يحتلون فيها الصفوف الأمامية رغم الصعوبات والمخاطر التي تحيط بهم، يضحون بالغالي والنفيس لمحاربة الفيروس، بعيدا عن أسرهم وأبنائهم الذين حرموا من رعايتهم خلال هذه الفترة العصيبة، هذا هو حال الأطقم الطبية والصحية بمستشفى القرب سيدي مومن بالدارالبيضاء، وبجميع المستشفيات المغربية.[gallery link="file" size="square" columns="1" ids="583862"]الزي الكورونيمن الصعب بمكان ارتداء اللباس الواقي من فيروس كورونا المستجد والأصعب من ذلك التخلص منه. لا يمكن لأي شخص أن يشعر بمعاناة من يرتديه غير الأطر الطبية أو الصحية قبل وبعد ارتداء ذلك «الزي الكوروني» كما يحلو للبعض أن يسميه، وحتى عند التخلص منه ورميه في الحاوية الحمراء الخاصة بالنفايات الخطيرة، والسبب هو محاولة تحقيق صفر عدوى.تقول ابتسام، وهي ممرضة في العشرينات من عمرها، والتي كانت تساعد زميلتها على ارتداء «الزي الكروني» استعدادا لمباشرة عملها اليومي داخل وحدة العزل: «من الضروري أن أساعد زميلتي في ارتداء زيها هذا، فهو عبارة عن كمامة طبية، أربع قفازات، بالإضافة إلى غطاء الشعر وآخر للحذاء وفي الأخير اللباس الأبيض المصنع من مادة خاصة ثم النظارة الواقية، وهذا يعني الشعور بارتفاع في درجة حرارة الجسم لمدة ساعات طويلة مع التعرق الشديد والشعور بالاختناق».يبعث «الزي الكوروني» على الشعور بالتوتر والاختناق. بعد دقائق معدودة من ارتدائه تنهال سيول العرق على الجسم بأكمله، ويشعر المرء وكأنه داخل حمام يرفع درجات حرارته مع مرور الثواني والدقائق. أحاسيس تتقاسمها الأطر الصحية المشتغلة في وحدتي كوفيد 19، بمستشفى القرب سيدي مومن، والذي خصصت جميع أسرته لاستقبال المصابين بفيروس كورونا المستجد، ومع ذلك فالابتسامة لا تفارقهم أينما حلوا.بهذا الزي الواقي و«المعقد» في نفس الوقت، دخلت فاطمة الزهراء لكي تأخذ مسحات مخاطية أنفية وبلعومية من المريض. ولأنها تعرف أن أخذ العينة يحفز المصاب على العطس فهي تحرص على تغطية فمها وأنفها بشكل جيد، فأي خطأ عند ارتداء اللباس الواقي معناه إمكانية انتقال العدوى عبر الرذاذ.بدأت فاطمة الزهراء تشعر أن حرارة جسمها ترتفع شيئا فشيئا وحبات العرق تنفجر من مسام جسدها. مع ذلك استمرت في أخذ العينات من المرضى دون كلل أو تعب، بل عبرت عن سعادتها كونها بمعية زميلاتها وزملائها وكل من يشتغل في الحقل الطبي السبب في شفاء المصابين بالفيروس بعد الله سبحانه وتعالى، كما تقول.كل شيء في حياة زكرياء وابتسام وفاطمة الزهراء وحميد وسارة وياسر، وغيرهم من الأطر الصحية والطبية بمستشفى القرب سيدي مومن قد تغير منذ بداية تفشي فيروس كورونا المستجد واشتغالهم بوحدة العزل، حيث الاحتكاك المباشر بالمصابين، فقبل الفيروس كان المرضى يرون تعابير وجوههم وابتسامتهم، لكن اللباس الواقي الآن يقف حاجزا بينهم وبين إيصال تلك التعابير التي اعتادوا أن ينقلوها للمرضى ليشعروهم بالتفاؤل والراحة، ومع ذلك فهم مبعث الرحمة والحنان. ألا يلقبون بملائكة الرحمة؟ولأنها اعتادت ارتداء اللباس الواقي والتخلص منه بعد الانتهاء من عملها داخل وحدة العزل، فإن فاطمة الزهراء لم تجد صعوبة في نزعه عنها، رغم أن أدنى خطأ منها يعني انتقال عدوى الفيروس إليها.زعت القفاز الأول ثم اللباس الواقي، بعد ذلك استلت يديها من القفاز الثاني بعد استعمال المطهر، ثم أزاحت غطاء الرأس والقدم، فنزع القفاز الثالث، لتأتي مرحلة نزع النظارة الواقية ثم تحرير يديها من القفاز الرابع. تخلصت في النهاية من كل شيء في حاوية النفايات على أساس أن تخرج بأسرع ما يمكن وفي ثوان معدودة من وحدة العزل التي تحمل في كل أرجائها الفيروس، رغم أنها تعقم يوميا، فاحتمال العدوى قائم وبشكل كبير في هذا المكان.[gallery link="file" columns="1" size="square" ids="583865"]وحدة العزليتوفر مستشفى القرب بسيدي مومن بالدرالبيضاء على وحدتين خاصتين بعلاج المصابين بكوفيد 19. الوحدتان قبل أسبوعين فقط كانتا تضمان 47 نزيلا، اليوم يوجد فقط 25 مريضا، بعد أن تعافى 22 مريضا من الفيروس.بمجرد أن يفتح باب الوحدة حتى تتراءى حاويات حمراء اللون خاصة بالنفايات الخطيرة كونها تحمل الفيروس بين طياتها، وهذه إشارة يعرفها من يعمل هناك أن المرء يوجد في منطقة خطيرة لا يمكن أن يلجها إلا وهو يرتدي اللباس الواقي.وبالفعل فالفيروس ينتشر في كل مكان، كما أكد ذلك مدير مستشفى سيدي مومن، الدكتور حسن تمام. على أسطح طاولات توضع عليها الوثائق التي تسجل بها الحالة الصحية اليومية للمصابين، وعلى أبواب الغرف، وعلى الجدران، وحتى في الهواء، لذلك فمن الضروري اتخاذ الحيطة والحذر عند ارتداء اللباس الواقي وعند التعامل مع المريض وعند التخلص من الزي نفسه، وكذلك عند الخروج من الوحدة.كل غرفة من غرف وحدة العزل مرقمة برقم تسلسلي هو نفسه الذي يوجد على كاميرات المراقبة، حيث يتابع فريق من الممرضين تحركات المرضى بشكل دقيق جدا. فكل غرفة مجهزة بكاميرا الغاية منها نقل تحركات المريض إلى المراقب حتى يمكنه التدخل في الوقت المناسب إذا ما حدث تطور في حالته الصحية لا قدر الله.طرق أحمد المكلف بتقديم وجبة الغذاء باب الغرفة الأولى، يطلب الإذن بالدخول بعد أن حمل بين يديه المقبلات. يرتدي أحمد بدوره لباسه الواقي على غرار الزي الذي يرتديه الممرضون والأطباء. سمحت له المريضة بالدخول، شابة في الثلاثينات من عمرها تحمل بين يديها طفلها الذي لم يتجاوز بعد الخمسة أشهر، رضيع ابتسم بمجرد رؤية أحمد، فقد تعود على أن يزوره ثلاث مرات في اليوم، وفي ركن آخر من الغرفة كان يجلس زوجها وقد عدل من جلسته مرحبا بالزائر.[gallery link="file" size="square" ids="583867"]تتوفر الغرفة على سريرين للزوجين وثالث خاص بالرضيع، بالإضافة إلى حمام مجهز وتلفاز من النوع الحديث ومحمولين رهن إشارة المريضين، يقول الزوج: «أصيبت زوجتي بكوفيد 19 كونها تعمل في معمل خاص بصناعة الأحذية، ولأنني كنت واحدا من مخالطيها بمعية رضيعنا تم إجراء الاختبارات للكشف عن الفيروس في جسمها بعد أن صنفت زوجتي كحالة مؤكدة، فكانت النتيجة إيجابية وها نحن نأخذ علاجنا منذ عشرة أيام».وعاد الزوج ليضيف «تكفلت وزارة الصحة بعلاجنا بمعية أسرتي الصغيرة، حيث نأخذ هذا العلاج بشكل منتظم تحت إشراف الطاقم الطبي والصحي الذي لم يبخل علينا بوقته واهتمامه، حيث احتووا توترنا وخوفنا، خصوصا عند ولوجنا في اليوم الأول إلى المستشفى. نيابة عن زوجتي وابني أشكر كل من أشرف على علاجي ومن تكفل بعلاجنا ووفر لنا تغذية في المستوى وهواتف نتواصل بها مع معالجينا».أخذت زوجته رضيعها بين يديها قبل أن تقول «لم نشعر بالأعراض التي طالما تحدث عنها الاختصاصيون، فقط عندما استفدت من اختبار للكشف عن الفيروس بعد أن تم رصد إصابات مؤكدة بمعمل «السباط» الذي أشتغل فيه كانت نتيجتي إيجابية، وهذا يعني إمكانية إصابة زوجي ورضيعي وهذا ما حدث بالفعل ونحن الآن في المراحل الأخيرة من العلاج قبل الإعلان عن شفائنا والتحاقنا ببيتنا الذي اشتقنا إليه».انتهى أحمد من وضع المقبلات والوجبة الرئيسية و«الديسير» على الطاولة، واتجه إلى الغرفة التي كانت يوجد بها شابان، الأول يشتغل بمصنع «سوماكا» والثاني بسوق السمك بالهراويين. هما الآخران لم تظهر عليهما أعراض الإصابة بفيروس كورونا المستجد، بل تم التكفل بهما من طرف وزارة الصحة بعد أن ظهرت بؤر وبائية بأماكن عملهما.[gallery link="file" columns="1" size="square" ids="583868"]الشابان يتابعان علاجهما منذ ستة أيام، وحالتهما في تحسن مستمر، حسب الأطباء المعالجين، إلا أنهما يتوقان للعودة لحياتهما التي تعودا عليها، فالمرض حتى وإن كان بدون أعراض أو معاناة فهو يسمى مرضا يعرقل الحياة، لهذا فهما يناشدان جميع المغاربة أن يلتزما بشروط الوقاية من تباعد اجتماعي وعند التصافح ووضع الكمامة وغسل اليدين باستمرار والخروج إلا للضرورة.رائحة المطهر النفاذة في كل مكان على الجدران وعلى البلاط، ورغم ذلك فإن احتمال الإصابة قائم إذا لم يرتد من يدخل إلى الوحدة لمباشرة عمله اللباس الواقي.استمر أحمد في عمله وهو يحرص بشكل كبير على عدم الاحتكاك بالمرضى بشكل مباشر، حتى يتحقق صفر عدوى، وهذه غاية كل من يباشر عمله بوحدات العزل.يقول أحمد: «في البداية أصبت برعب كبير، كنت خائفا من العدوى، لكن عرفت أن لي دورا مهما، وهو تقديم الطعام للمصابين، والتغذية الجيدة تساعدهم على تحسن حالتهم واستجابتهم للعلاج». ويصف شعوره قائلا: «أشعر بسعادة بالغة عندما يصل إلى مسامعي أن أحد المصابين شفي، خصوصا بعدما تكون ألفة أشعر بها تجاه كل واحد منهم، وهم كذلك يشعرون بنفس الإحساس، ومازلت لحد الآن أتواصل مع العديد من المرضى الذين من عليهم الله بالشفاء، وهم الآن يعيشون حياتهم بشكل طبيعي بعد أن تخلصت أنسجتهم من الفيروس».أحمد هو واحد من المشرفين على تقديم الطعام للمرضى، لكننا بالكاد نراهم وزملاءهم في النظافة، لا أحد ينتبه إليهم، على الرغم من أنه لا تخلو أي مستشفى من هذه الفئة، ولا عين تخطئهم. المستشفى نظيفة في ذلك الصباح فطاقم التنظيف يقوم بتنظيف كل زاوية فيها على مدار الساعة.   
«نحن اليوم نواجه عدوا جديدا قد يصيبنا على غفلة منا»، يقول يوسف، عامل النظافة، بحذر، في إشارة إلى جائحة فيروس كورونا المستجد.سيماهم على وجوههم!جميع الممرضين الذي كانوا يباشرون عملهم في ذلك اليوم يعانون مع كدمات وبقع حمراء على الوجنتين والطرف العلوي من الجبهة والأنف، والسبب هو الآثار التي يخلفها ارتداؤهم للزي الواقي لساعات متواصلة، وبالرغم من تلك الكدمات والإرهاق الذي يشعرون به، عبروا عن فخرهم بوجودهم في الصفوف الأولى لمحاربة كوفيد 19، بل تعهدوا بمواصلة القتال.تقول ابتسام، وهي ممرضة بمستشفى القرب بسيدي مومن: «أنا متعبة جسديا بسبب العمل المتواصل ورداء الحماية، فعند ارتدائي لزي العزل، لن يعود بإمكاني التوجه إلى الحمام أو شرب الماء لمدة قد تتجاوز الخمس ساعات».وتتابع معبرة عن هواجسها: «أخشى دائما أن لا يلتصق القناع على وجهي بشكل جيد، أو ربما قمت بلمس أنفي عن طريق الخطأ بقفازات ملوثة أو ربما لم تغط النظارات عيني تماما»، وهو ما يسبب لي مخاوف نفسية خلال عملي اليومي.. وهي على هذه الحال قرابة ثلاثة أشهر، أي منذ الإعلان عن أول حالة إصابة بفيروس كورونا المستجد في الثاني من شهر مارس الماضي.تشعر ابتسام بالتعب الجسدي والنفسي على السواء، على غرار زملائها، لكن هذا لا يمنعها والآخرين، كما تقول، من القيام بواجبهم الوطني. هم فخورون بعملهم، خصوصا عندما يرون الفرحة في وجوه مرضاهم عندما يعلنون إليهم شفاءهم من الفيروس، وبالتالي خروجهم من المستشفى في اتجاه بيوتهم.الساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال يستعد ثلاثة ممرضين إلى ارتداء «الزي الكوروني» استعدادا لإجراء «سكانير» لمصابين بكوفيد 19. الغرفة التي تضم بين أرجائها هذا الجهاز تقع على بعد عشرات من الأمتار على وحدة العزل، وبالتالي بدأ التجهيز لهذه العملية بإغلاق جميع النوافذ والأبواب، حيث يحرص المشرف على الملف بحفظ الصحة داخل المستشفى أن لا يتواجد أي إطار صحي أو طبي في الممرات، والهدف دائما هو تحقيق صفر عدوى، فالفيروس يمكن أن يوجد في الهواء وعلى الأسطح بمجرد أن يعطس المصاب أو يكح وهو يمر من تلك الممرات.يشرح ياسر، المكلف بحفظ الصحة داخل مستشفى سيدي مومن، تفاصيل هذه العملية بقوله: «بعد استفادة المصابين من الكشف بـ«سكانير» تبدأ عملية تعقيم الممرات والجدران والأسطح بالمطهرات والمعقمات الخاصة، عملية يومية تكاد تكون متعبة بالنسبة للمشرف على حفظ الصحة، لكن ضرورية من أجل سلامة العاملين داخل المستشفى».في «زمن كورونا» تضحي هذه الفئة براحتها وسعادتها من أجل أن ينعم غيرها بهاته القيم الحياتية والصحة المثالية. وفي زمن كورونا وبعده يرفع لهم الجميع القبعة، في إشارة شكر لكل ممرض وممرضة، خاصة في ظل هذا الوباء الذي تأكدت فيه أهمية هذا الفريق الذي يعتبر الداعم للعملية الصحية والطبية في بلدنا.