AHDATH.INFOتركت المثقفة المغربية اليهودية راشيل مويال صاحبة مكتبة "الأعمدة"(لي كولون) الشهيرة في طنجة التي توفيت عن سن 87 سنة كتاب مذكرات صدر قبل أشهر من رحيلها بعنوان "ذاكرة طنجاوية". وتتحدث فيه عن تفاصيل حياتها ومسارها، وهو غني بالمعطيات حول التاريخ السياسي والثقافي والإجتماعي لمدينة البوغاز وحول عائلتها التي كانت تعتبر من أبرز رموز الطائفة اليهودية المثقفة في المغرب.مثلما كانت "راشيل مويال" تدافع عن قيم التسامح التي تربط المغاربة، شكلت جنازتها المشيعة 28 يناير الماضي بالمقبرة اليهودية بيت ححايم بطنجة واحدة من أهيب الجنازات التي شيعها المغاربة لغير المسلمين من النشطاء والفاعلين والمؤثرين الذين صدقوا في حب طنجة، ودافعوا عن المدينة والوطن.الكاتبة الطنجاوية راشيل مويل، واحدة من أبرز الناشطات الثقافيات في مدينة طنجة والتي جعلت من مكتبتها الخاصة في مدينة البوغاز عنوان للباحثين عن الأدب، القصة والشعر، وكانت مسؤولة عن مكتبة الأعمدة (Les Colonnes)، التي تحولت ملكيتها للفرنسي بيير بيرجيه Pierre Bergé، وصرحت السيدة راشيل أكثر من مرة لوسائل الإعلام بقولها "أنا طنجاوية قبل كل شيء، والناس عادة ما يسألونني: ماذا يعني أن تكون طنجاوياً"؟[gallery link="file" size="square" ids="600430"]عندما غادرت راشيل المكتبة التي كانت تسيرها أشارت في كتاب من الحجم الصغير من تأليفها عن ذكرياتها في مكتبة الأعمدة بكلمة تحمل أكثر من رسالة، "وداعا" كتبتها بأربع لغات هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعربية، وكأنها كانت تودع طنجة باسم من تبقى فيه من اليهود المغاربة.برحيل راشيل، التي نعى وفاتها مدير سابق لمعهد سرفانتيس الإسباني ألبيرتو كوميز فونت، تفقد طنجة والمغرب واحدة من أشد المدافعات عن الهوية الثقافية المغربية بمشاربها العبرية، التي تشير إلى مراحل التواجد اليهودي بالمغرب، حيث دافعت بشراسة دون هدم أحد معالم اليهودية التاريخية بالمدينة، وهو مستشفى بن شيمول.راشيل مويال ولدت بطنجة سنة 1933 وتنفست حياة العيش بين دروب أحياء مرشان والبولفار، وختمت حياتها بكتاب من توقيعها تحت عنوان "ذاكرة طنجاوية".وينحدر أجدادها من اليهود الذين هاجروا إلى المغرب قادمين من إسبانيا بعد طردهم في القرن 15. وهو ما قد يفسر أن لغتها الأم كانت هي الإسبانية رغم أن الفرنسية ستكون أساسية في مسارها. عاشت راشيل يتيمة فرباها خالها وخالتها. وكانت تربية صارمة وفق التعاليم الدينية اليهودية في أجواء منفتحة وعصرية صادفت المرحلة التي كانت طنجة تعيش وضعية "منطقة دولية” تشرف عليها دول مثل إسبانيا وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها.تحكي في كتابها الذي ألفته أنها ولدت في نفس السنة التي تولى فيها هتلر السلطة. وتتذكر كيف أن طنجة، نتيجة موجة قمع اليهود في أوربا واجتياح القوات الألمانية لفرنسا وغيرها، ستصبح ملجأ لمئات اليهود الفارين من جحيم النازية. وأصبح منزل عائلتها نفسه ومنازل اليهود بالمدينة بمثابة مسكن وملجأ لهم خلال فترات طويلة إلى أن انتهت الحرب العالمية الثانية.كما تتحدث راشل عن مراحل كفاح المغرب من أجل الاستقلال وخاصة مظاهرات الوطنيين والأحزاب في طنجة والخطاب التاريخي للملك محمد الخامس في 1947. وهو الحدث الذي جعلها تعي لأول مرة أن المدينة هي فعلا جزء من المغرب. وكان للصراع العربي الإسرائيلي انعكاسات كبرى أدت إلى هجرة آلاف اليهود من المغرب إلى إسرائيل ومنهم يهود طنجة. لكن راشيل فضلت البقاء في المدينة وظلت وفية لها رغم مغادرة عدد من الأصدقاء. وقد أدت هذه الهجرة إلى التأثير على الوضعية الإقتصادية والاعتبارية للمدينة.[gallery link="file" size="square" ids="600432"]وترى الكاتبة أن طنجة كان من الممكن أن تحتفظ بعد الاستقلال بوضعية المدينة الدولية المنفتحة كمنطقة حرة كما هو الحال في «هونغ كونغ» مثلا لو أنه تم تدبير الأمور بشكل أفضل حسب تعبيرها.في 1949، أنشأت عائلة بلجيكية مكتبة "لي كولون” في قلب طنجة بشارع باستور لكنها صارت مع مرور الوقت مهددة بالإفلاس. فكانت راشيل مويال هي من أنقذها وتولت تسييرها منذ 1974. ونجحت في إعطاءها شهرة وإشعاعا كبيرا حتى أنها صنفت من بين أشهر المكتبات العالمية. وقد استضافت المكتبة وتعاملت مع كتاب مغاربة معروفين مثل الطاهر بنجلون ومحمد شكري وإدريس الشرايبي، ومع كتاب عالميين كانوا يزورون المدينة بكثرة مثل بول بولز وخوان غويستلولو وجيل كيبيل وغيرهم.