على خلفية دخول مشروع قانون المسطرة الجنائية حيز التنفيذ اليوم الإثنين 8 دجنبر 2025، قدمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة تفاعلية تهدف إلى تجويد النصوص القانونية وجعلها متوافقة مع الاتفاقيات الدولية والتزامات المغرب الحقوقية ذات الصلة بالحقوق والحريات، بالنظراً للارتباط المباشر لقانون المسطرة الجنائية بالحقوق والحريات، باعتباره الإطار الذي ينظم حقوق المواطنين والمواطنات من لحظة توقيفهم وحتى النطق بالحكم، مروراً بجميع الإجراءات المسطرية التي تتخذها النيابة العامة وفق المبادئ التوجيهية الكبرى المستخلصة من مناقشات السياسة الجنائية في المغرب.

في هذا السياق، أوضحت المنظمة الحقوقية أنها أعدت مذكرتها لتواكب تطبيق القانون عند دخوله حيز التنفيذ، معتبرةً قيمته الحقوقية التي تنبع من تواصله المباشر مع الحقوق والحريات.

من بين القوانين التي تطرقت إليها مذكرة المنظمة، جاء القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية، والذي يتضمن من بين مستجداته إمكانية التبليغ عن الجرائم التي تكون ضحيتها امرأة، ليس فقط أمام النيابة العامة أو الشرطة القضائية، بل كذلك أمام أي سلطة قضائية أو إدارية مختصة، كما ورد في المادة 43.

لكن المنظمة اعتبرت أن هذا الإجراء يبقى معزولاً ومحدود الأثر، نظراً لغياب تصور ممنهج لمقاربة النوع الاجتماعي ضمن مقتضيات القانون الجنائي.

وأشارت إلى أن المذكرة لم تجد، على سبيل المثال، أية تدابير خاصة تعنى بالمرأة، سواء بصفتها ضحية أو شاهدة أو حتى متهمة، فيما يتعلق بجوانب أساسية من المسطرة الجنائية مثل الاستفادة من المساعدة القضائية، وتدابير الحماية، وآجال التقادم في الجرائم التي تمس النساء، أو جلسات الاستماع المغلقة، وظروف الحراسة النظرية، أو التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة، وغيرها من المجالات التي تستدعي مراعاة خصوصيات النساء والفتيات.

وأضافت أنه بالرغم من أهمية مراجعة قانون المسطرة الجنائية كمرحلة مفصلية في إصلاح منظومة العدالة الجنائية في المغرب، فإنه كان ينبغي أن تتحول إلى فرصة دستورية وحقوقية لتكريس مبدأ المساواة، كما هو منصوص عليه في المادة 19 من دستور 2011، وفي العديد من المواثيق الدولية ذات الصلة، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وتوصياتها العامة رقم 19 و35، والبروتوكول الاختياري الملحق بها، والإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، وإعلان ومنهاج عمل بيجين المعتمد سنة 1996.

وأكدت المنظمة أن القانون الجنائي، رغم بعض المكتسبات المحدودة التي تضمنها، لا يزال يعاني من ثغرات بنيوية تتعلق بحماية النساء والفتيات من العنف والتمييز، وضمان ولوجهن الفعلي والعادل إلى العدالة.

في هذا الإطار، أبرزت المذكرة مجموعة من التوصيات الرامية إلى اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي بشكل فعلي وفعال في مشروع القانون، من بينها اقتراح إحداث باب مستقل ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية يهتم بالنساء، ويراعي خصوصياتهن في حالات العنف، والهشاشة، والأمومة، والإعاقة، والكثير من السياقات التمييزية.

ودعت المنظمة إلى تبسيط ولوج النساء إلى العدالة عبر تخفيف الشروط الشكلية لتقديم الشكايات، لا سيما في موضوع الإثبات والشهود والوسائل المالية، وتمكين النساء من التبليغ عبر المنصات الرقمية ومراكز القرب وخلايا الاستماع.

وبخصوص تعزيز وسائل الإثبات في قضايا العنف، طالبت المنظمة بالاعتراف بشهادة الضحية إذا كانت مدعومة بقرائن موضوعية، واعتماد الأدلة الرقمية مثل الرسائل والتسجيلات والصور، ومنح القيمة القانونية للتقارير النفسية والاجتماعية إلى جانب الطب الشرعي، وتطبيق مبدأ "الشك يفسر لصالح الضحية" في قضايا العنف الأسري.

كما دعت إلى حظر الوساطة والصلح في قضايا العنف ضد النساء، مع التنصيص الصريح على منع أي صلح أو وساطة في هذه القضايا، لما له من تأثير سلبي على الضحايا، ولما قد يؤدي إليه من تطبيع مع العنف وضمان الإفلات من العقاب، خصوصاً في السياقات الأسرية والاجتماعية الضاغطة.

وفي السياق ذاته، طالبت بإدماج مبدأ العناية الواجبة، بحيث يعتبر الإخلال بهذا المبدأ إخلالاً بالعدالة، ومبررًا للمساءلة الإدارية أو القضائية، حمايةً لضحايا العنف من التقاعس أو الإهمال في متابعة قضاياهن، بالإضافة إلى التنصيص على حق النساء في الترجمة إلى اللغة الأمازيغية، لمساعدة اللواتي لا يتقنن اللغة العربية على فهم الإجراءات القضائية وضمان حقهن في محاكمة عادلة.

من بين المطالب الأخرى التي تضمنتها المذكرة، تعزيز حماية النساء المهاجرات وعديمات الجنسية أو في وضعيات هشاشة من خلال ضمان عدم ترحيلهن في حال التبليغ عن العنف، وتمكينهن من الترجمة والمساعدة القانونية المجانية مع مراعاة خصوصياتهن الثقافية واللغوية والإدارية، والتنسيق مع المنظمات الوطنية والدولية التي تعمل في مجال حماية المهاجرات.

كما دعت إلى إدماج البعد البيئي في تقييم العنف، عبر تعزيز آليات المساءلة عن الجرائم البيئية التي تمس النساء، وضمان إجراءات خاصة لحماية المتضررات من الكوارث الطبيعية، بالنظر إلى هشاشتهن المتزايدة في مثل هذه الظروف.

وخلصت المذكرة إلى أن إصلاح قانون المسطرة الجنائية لم يكن ينبغي أن يقتصر على تحديث تقني أو تقنين إجرائي فحسب، بل يجب أن يستند إلى رؤية حقوقية تعكس التزامات المغرب الدولية في مجال حماية الحقوق والحريات، والتزاماتها الدستورية لبناء عدالة جنائية شاملة تراعي خصوصية النساء وتحميهن من كل أشكال العنف والتمييز، وتضمن لهن سبل الانتصاف والإنصاف، بما يتوافق تماماً مع الالتزامات الدستورية والدولية في مجال حقوق الإنسان ومناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي.