في الرد على بعض من طوقتهم الفضائح ويحاولون البحث عن طهارة على حساب جريدة (الحداث المغربية)، ومن رفع صورة للجريدة إلى جانب صورة لخلقته محاولا ارتداء جبة المنظر للصحافة والصحافيين، كتب د. احمد الدافري ردا عنونه بـ (بهدوء وانضباط) جاء فيه:

أنت طرحت يا سيدي سؤالا في شكل نداء وجهته للناس حول مدى احترام أخلاقبات مهنة الصحافة في جريدة الأحداث المغربية.(انظر نص النداء، في إحدى الصور رفقة هذه التدوينة، بجوار صورتك وأنت تمسك بجريدة الأحداث المغربية ).

سأجيبك باقتضاب شديد سيدي، أنا أحد المنتسبين إلى جريدة الأحداث المغربية، التي كنت قد انتقلت إلى التعاون معها في بداية هذه الألفية في مجال النقد التلفزي والفني، بعد ما قضيت مدة في ذلك مع جريدة الاتحاد الاشتراكي الغراء، حين كان الناقد الراحل مصطفى المسناوي مسؤولا فيها عن ملحق الإذاعة والتلفزة. يعني أنني انتسب إلى جريدة الأحداث المغربية منذ أكثر من عقدين.

سيدي. أولا، من حيث الصرامة العلمية، ومن حيث الدقة المنهجية، لا يمكن الانطلاق من معطيات خاطئة، وفرضيات غير صحيحة، في أية دراسة، وتوقع الوصول إلى نتيجة صحيحة.

انت يا سيدي قمت بتوجيه ندائك للناس، عبر عملية هي أصلا فيها نقاش من الناحية الأخلاقية، لأنك منذ البداية تحاول التاثير عليهم، كي تبلغ المراد الذي تبتغي تحقيقه وكتبت : "الأحداث المغربية"، الجريدة التي لا يقرؤها أحد". إن عبارة "لا يقرؤها أحد" هنا، هي عبارة ينبغي تحليلها بواسطة قواعد المنطق العلمي، لمعرفة مدى صحتها.

من الناحية المنطقية العلمية، هذه العبارة تعطي خبرا هو عبارة عن معلومة. المعلومة هي: لا أحد يقرا الجريدة. وهي معلومة مطلقة لا استثناء فيها.عبارة "لا أحد" تعني : لا أحد على الإطلاق. لتحليل هذه العبارة، نستعمل المنطق الرياضي الذي يدرسه التلاميذ في السنة أولى ثانوي تأهيلي، سواء كانوا علميين أو أدبيين.

وهكذا، لدراسة صحة هذه العبارة، سنستعمل البرهان ب "قاعدة النفي". النفي المنطقي للعبارة :"لا أحد يقرؤها" هو العبارة :"هناك على الأقل واحد يقرؤها". وهذه العبارة الأخيرة صحيحة منطقيا. لماذا هذه العبارة الأخيرة صحيحة منطقيا؟

صحيحة منطقيا لأنك أنت هو ذاك الشخص على الأقل الذي يقرؤها. وما الدليل على أنك تقرؤها؟

الدليل هو انك هنا في الصورة تمسكها بيدك وتدعو الزملاء والطلبة بأن يقوموا بتحليلها ودراستها، من منطلق أنك تريدهم أن يتوصلوا مثلك إلى ما هو في خاطرك، أي التوصل إلى أنها تمس بأخلاقيات المهنة. فإن لم تكن تقرؤها سيدي، لماذا تمسكها في يدك وتدعو الطلبة والزملاء إلى تحليلها ودراستها؟

هل معقول منطقيا ان يحمل صحافي في يده جريدة لا يقرؤها؟ بل الأكثر من ذلك، هل من المنطقي أن يدعو شخص الناس لتحلبل محتوى جريدة لا يقرؤها الناس، كي يصلوا مثله إلى أنها تمس بأخلاقيات المهنة؟

إذن حسب قاعدة النفي المنطقي التي يدرسها التلاميذ في بداية تطور عقلهم الرياضي، النفي المنطقي للعبارة "لا يقرؤها احد" هو عبارة خاطئة بالدليل والبرهان، والدليل والبرهان هو أنت واحد على الأقل من الذين يقرؤونها.

قد تقول بأنك استعملت عبارة "لا يقرؤها أحد" على سبيل المبالغة. لكن يا سيدي، في علوم الإعلام، لا وجود لشيء اسمه المبالغة. الخبر ينبغي ان يكون دقيقا لا مبالغة فيه. لأنه يعطي معلومة. والمعلومة ينبغي ان تكون صحيحة ودقيقة وقابلة للقياس.

لا يمكن مثلا أن توجه الكاميرا في روبورتاج لساحة فيها شخص جالس في مقعد وتقول للناس في التعليق : "في هذه الساحة الفارغة من الناس يوجد رجل جالس فوق مقعد"، فهذا خطأ في المعلومة. بل ينبغي ان تقول : في هذه الساحة يوجد فقط شخص واحد يجلس فوق مقعد. هذا واحد من الدروس التي يعطيها الأساتذة لطلبة علوم الإعلام، واسمح لي أن أذكرك بها سيدي، أنا الذي بدأت علاقتي بالإعلام أول مرة من داخل جريدة الأحداث المغربية، حيث كانت إدارة تحريرها تكلفني بالقيام بتغطيات مهرجانات ثقافية وفنية، وحيث كان مفكرون وفنانون من النخبة الراقية يستقبلون بترحاب كبير دعوتنا لهم للحوار حول قضايا حيوبة، ومن خلالهم فتحنا نقاشات واسعة حول قضايا تتعلق بماهية الثقافة ومعنى الفن وطبيعة الالتزام الاجتماعي للمثقفين والفنانين والمفكرين.

كما أنني، من خلال تعاوني مع الجريدة التي ترى سيدي أن لا أحد يقرؤها، تعرفت في بداية هذه الألفية على أجناس التقرير والروبورتاج والتحقيق الصحفي ونهلت من علم التواصل الكثير بفضل اللقاءات التي كان يتم تنظيمها داخل الجريدة، وهو الأمر الذي مكنني، أنا الذي كنت في تلك الفترة أستاذا لمادة الرياضيات في التعليم الثانوي التأهلي حاملا لشهادات عليا في الرياضيات، أن أتابع تكويني في علوم الإعلام والتواصل منذ سنة 2007، قبل حصولي أولا على دبلوم الدراسات العليا المتخصصة في الصحافة والتواصل من مدرسة الملك فهد العليا للترجمة بطنجة، ثم شهادة الماستر في التخصص نفسه من المدرسة نفسها، قبل حصولي على شهادة الدكتوراه في تكوين اللسانيات والتواصل والترجمة من كلية الٱداب والعلوم الإنسانبة بتطوان، وكل ذلك كان بفضل روح البحث والتدقيق والانضباط العلمي والصرامة الأخلاقية، التي تعلمتها داخل مدرسة الأحداث المغربية، التي ترقيت فيها من مجرد متعاون في قضايا الثقافة والفن والنقد إلى كاتب عمود أسبوعي، في الملحق الذي كان مخصصا يوم الاثنين للإعلام والإذاعة والتلفزة، وهو عمود "عين على التلفزة"، زيادة على عمود في الصفحة الأخيرة من مجلة "أخبار النجوم" التي كانت تصدرها جريدة الأحداث المغربية والتي تم وضع الثقة في شخصي المتواضع كي أكون واحدا من هيئة تحريرها، وكان عنوان العمود في تلك المجلة هو"نقطة ضوء".

الحديث عن أخلاقيات مهنة الصحافة في المغرب يا سيدي، لا يتم من خلال الدخول في مواجهات بهدف تصفية حسابات.

إن مسألة أخلاقيات مهنة الصحافة في المغرب تحتاج بالفعل إلى نقاش جاد، وينبغي أن يشمل النقاش أيضا الصحافة التي تدعي انها صحافة مناضلة وتزعم انها تصطف إلى جانب القضايا العادلة، في زمن أصبحت تحوم فيه الشكوك حول مفهوم النضال ومعنى الاصطفاف إلى جانب الحق، وأضحى فيه من الصعب معرفة الحدود الفاصلة بين النضال والحق وبين التهافت على قضاء المصالح الشخصية والبحث عن وسيلة التسلق من أجل تحقيق الطموحات المادية الذاتية.

هذا سيدي جواب كما قلت، مقتضب، وقصير، أما الجواب الشافي فهو لا يمكن أن تتسع له صفحات وصفحات كثيرة، نظرا للتعقيدات المحيطة بالموضوع، وهي تعقيدات طبيعية بحكم أن الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي هو في الأساس يقوم على مبدأ التعقيد وفق المفهوم النسقي في تحليل القضايا والظواهر التي لا يمكن فهمها وإدراكها إلا في إطار تحليل وفهم وإدراك جميع العناصر التي تشكل النظام الذي يحتضنها.