نظمت المجالس الجهوية للعدول بالمملكة المغربية بكل من طنجة وبني ملال والراشيدية وتطوان ووجدة ومكناس وآسفي، لقاء تواصليا يوم الجمعة الماضي بالرباط، بحضور الجمعية المغربية للعدول والجمعية الوطنية للمرأة العدل، وممثلي مختلف الإطارات النقابية والجمعوية. وقد خُصص هذا اللقاء لتقييم الصيغة المتداولة لمشروع القانون 16.22 المنظم لمهنة العدول، والذي اعتُبر بالإجماع نصًا يهدد وجود المهنة ويمسّ كرامة العاملين فيها ومسارهم التاريخي.

منذ اللحظات الأولى للاجتماع، كان واضحًا أن مشروع القانون لم يُكتب بعقل إصلاحي ولا بنية تطوير الممارسة المهنية، بل صيغ بروح زجرية أقرب إلى قانون جنائي منها إلى تشريع ينظم مهنة حرة. وقد صرّح العديد من المتدخلين بأن المشروع "ليس قانونًا لتنظيم المهنة، بل وثيقة عقابية تُحاصر العدل من كل الجهات، وتتعامل معه كما لو أنه متهم قبل أن يكون مهنيًا”.

وأجمع الحاضرون على أن المشروع جاء محشوًّا بمفردات المنع والتقييد والإلزام دون أي مقابل من الحقوق أو الضمانات. "يمنع”، "يتعيّن”، "يلتزم”، "يجب”... كلمات تملأ نصًا يفتقد لأبسط معايير التشريع المتوازن.

وفي المقابل، غابت تمامًا ضمانات حماية العدل أثناء ممارسة مهامه، وحقوقه المهنية، ومساحات مسؤوليته، وتحديد شروط اشتغاله بالشكل الذي يضمن الاستقرار والتطور.

لكن ما أثار الصدمة أكثر، وفق ما تم التعبير عنه خلال هذا اللقاء التواصلي، هو أن المشروع لم يأخذ بعين الاعتبار أيًا من خلاصات جلسات الحوار السابقة بين الوزارة والهيئات المهنية. فقد جرى تجاهل كل الملاحظات الرسمية، وكل المحاضر المشتركة التي تضمنت نقاطًا اتُّفق عليها سلفًا، الأمر الذي جعل العديد من المتدخلين يؤكدون أن "المشروع لم يُنجز داخل مكاتب الوزارة فقط، بل تداخلت فيه أيادٍ أخرى تحرك النص من الخلف، وتعيد صياغته بطريقة تهدف إلى إعدام المهنة وقطع الطريق على العدول”.

وفي تدخله، أكد سعيد الصروخ، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية طنجة ومنسق تنسيقية المجالس الجهوية، أن المشروع "يُصاغ وكأنّه يجرّم مهنة العدول، لا ينظمها”، مضيفًا أن "النص حمل نفسًا عدائيًا، ويبدو أن هناك من يريد نزع صلاحيات تاريخية من العدول وإهدائها لجهات أخرى، عبر قانون يضرب في العمق حق المواطن في اختيار الجهة التي يثق بها لتوثيق معاملاته”.

من جهته، اعتبر إدريس الطرالي، رئيس المجلس الجهوي لعدول استئنافية بني ملال وعضو المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية للعدول، أن المشروع "تم التلاعب بروحه ومضمونه”، وأن الصيغة الحالية "لا علاقة لها بما تم الاتفاق عليه خلال جلسات الحوار، بل هي نسخة مشوهة تفرغ المهنة من مضمونها”. كما أكد أن العدول يطالبون بقانون عصري ومنصف منذ عقدين، لكن ما صدر اليوم "هو مشروع يعكس نية مبيّتة لإحكام القبضة على المهنة وتحويلها إلى وظيفة مقيدة، فاقدة للاستقلالية، وتابعة لسلطة إدارية تتحكم في كل صغيرة وكبيرة”.

وشدّد الطرالي على أن "هذا المشروع، إذا مرّ، لن يقتل المهنة فقط، بل سيخلق فوضى توثيقية ويهدد الثقة في المعاملات”. واعتبر أن ما يجري "ليس إصلاحًا، بل محاولة هندسة قانونية لإخراج العدول من المشهد التوثيقي”.

وبين تدخل وآخر، تكررت عبارات قوية تصف المشروع بأنه "نصّ عقابي”، "محاولة إعدام منهجي”، "تفكيك منظم للمهنة”، و"ضرب للاستقرار التعاقدي”. وذهب بعض المتدخلين أبعد من ذلك، معتبرين أن المشروع "يحمل توقيعات لا تظهر في الصفحة الرسمية، لكن آثارها واضحة في الفصول التي تسعى لتقزيم العدل وتقوية أطراف أخرى”.

كما حذّر الحاضرون من أن المواطن سيكون أول المتضررين، لأن حصر الاختصاصات وتقليص دور العدول سيقلل من خياراته ويخلق احتكارًا غير دستوري في المجال التوثيقي، إضافة إلى ما قد يترتب عنه من مخاطر على الأمن التعاقدي الذي يشكل أحد ركائز الثقة بين الدولة والمواطن والمؤسسات المالية.

وفي ختام اللقاء، طالبت المجالس الجهوية بسحب المشروع فورًا وإعادته إلى طاولة الصياغة وفق مقاربة تشاركية حقيقية، لا شكلية، تُشرك العدول وممثليهم في جميع مراحل الإعداد. وتم التأكيد على أن العدول ليسوا ضد التحديث أو الإصلاح، بل ضد أي مشروع يردّهم إلى الخلف أو يُنزلهم إلى مرتبة مهنية هامشية.