بعد مشاركته في الدورة 82 من مهرجان فينيسيا في فقرة " سبوتلايت " وفوزه بجائزة الجمهور ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي.. قدمت المخرجة المغربية مريم التوزاني مساء الأحد فيلمها الروائي الثالث " زنقة مالقة " ضمن العروض الاحتفالية في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش .

الفيلم كمال قالت التوزاني في تقديمها له في العرض الاحتفالي مساء الأحد بقاعة الوزراء بقصر المؤتمرات حميمي جدا ويكتسي طابعا شخصيا إلى حد كبير وينبع من الألم والفقدان، وأضافت أنها منذ 3 سنوات فقدت أمها وكانت تلك تجربة موجعة ولدت لديها الرغبة والحاجة إلى الكتابة، وأضافت أنها عاشت مع أمها وجدتها في بيت العائلة وكن يتحدثن الإسبانية ومن هنا جاءت الرغبة في أن يكون الفيلم ناطقا بالإسبانية كطريقة لإستعادة تلك الأصوات كما أن شخصية مارية أنخليس ( الشخصية الرئيسية في الفيلم ) جاءت لتلبور العديد من أسئلتها في هذا السياق و أكدت في التقديم ذاته أن الفيلم بالنسبة لها طريقة لتحويل الألم إلى رغبة في الحياة .

وقد نجحت مريم التوزاني رفقة زوجها نبيل عيوش في كتابة قصة وسيناريو حول هذه الرغبة إلى حقيقة، ونجحت التوزاني أن تكسبها لغة بصرية نابضة بالحياة وأن تختار الكاستينغ اللائق والملائم للشخصيات المكتوبة على الورق وأن تديره بالشكل المطلوب بما يتوافق مع القصة وأجوائها والعلامات المميزة لكل شخصية .

في فيلمها " زنقة مالقة " نستعيد مع مريم التوزاني جزء من ذاكرة مدينة طنجة بعمرانها،بناسها و بروحها المنفتحة على الآخر والمرحبة به من خلال قصة مارية أنخليس امرأة إسبانية تقارب الثمانين من عمرها ولدت وتزوجت وأنجبت أبناءها ودفنت زوجها في مدينة طنجة، تعيش في شقتها شيخوختها بسلام مع جيرانها من المغاربة ومن تبقى من الإسبان في المدينة، ولكن طارئا سوف يحول هذه الطمائنينة والسلام إلى قلق وإلى محنة ، عندما تظهر ابنتها كلارا بعد غياب، لتفاجئها برغبتها في بيع الشقة التي كتبها والدها باسمها لتحل مشاكلها المادية وتحس من وضعها المعيشي في مدريد ( شراء شقة في العاصمة مدريد وإنهاء محنة الإيجار ) .. لكن مارية أنخليس لا تستسلم ولا تعدم الحيل حتى النهاية، تغادر دار المسنين التي لجأت إليها وتعود إلى شقتها المعروضة للبيع وتستعيد شيئا فشيئا قطعا من أثاثها الذي باعته مكرهة لتاجر تحف وهنا تمنح مريم التوزاني الفيلم نفسا آخر ومارية أنخليس رغبة جديدة في مواصلة الحياة من خلال قصة حب على مشارف الثمانين مع ذلك التاجر .

تأخذنا مريم التوزاني طيلة 116 دقيقة الفيلم في رحلة بصرية آخاذة تبدو فيها المشاهد وكأنها لوحات تشكيلية تؤثتها الوجوه والعمران لكنها نابضة بالحياة، وتختار الإيقاع الخاص لحكي قصتها واستعادة حياة مضت تتوافق مع حياة الشخصيات في زمن الشيخوخة لكن تمنحها قدرة وإكسيرا يشحن رغبتها في الحب والحياة .

وقد وفقت مريم التوزاني إلى حد كبير في أن تختار لشخصياتها الممثلين المناسبين ويبدو أنها لم تكتف فقط بالاختيار بل أعادت تشكيل وتوجيه أدائهم عبر إدارتهم لها، كارمن ماورا ( مارية أنخليس) التي تظهر بوجه وأداء مغايرين يتوافق مع الثمانين من العمر ، وأبدعت في تجسيد الشخصية بلحظات فرحها وحزنها إلى حد أن المشاهد لا يحس بها تمثل بل تعيش الحياة والحب والمخرج أحمد بولان الذي يكتشف فيه الجمهور في " زنقة مالقة " ممثلا كبيرا وذلك من المفاجآت الجميلة في الفيلم

وكما عودتنا مريم التوزاني في أفلامها السابقة فقد أبدعت في أن تطبع الفيلم بحميمية وبجمالية وأكدت أنها لها توقيعها وأسلوبها الخاص في هذا السياق.

يعتبر فيلم " زنقة مالقة " ثالث فيلم روائي طويل للمخرجة مريم التوزاني بعد فيلم "آدم " الذي شارك في مسابقة نطرة ما في مهرجان كان سنة 2019 و توج بثلاث جوائز في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة سنة 2020 ( جائزة السيناريو والإخراج وأحسن ممثلة وعادت لنسرين الراضي ) كما رشح لتمثيل السينما المغربية في سباق الأوسكار في فئة أفضل فيلم عالمي أو غير ناطق بالإنجليزية و فيلم " أزرق القفطان " الذي شارك هو الآخر في مسابقة نظرة ما في مهرجان كان سنة 2022 وعرض في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش في السنة نفسها حيث توج بجائزة لجنة التحكيم الخاصة مناصفة مع فيلم " الروح الحية " للمخرجة كريستيل ألفيس ميرا من البرتغال .

وإلى جانب الإخراج تمارس مريم التوزاني كتابة السيناريو مع زوجها المخرج والمنتج نبيل عيوش وكان آخر تعاون لهما كتابة سيناريو فيلم " في حب تودا " الذي عرض في فقرة كان بروميير في الدورة قبل السابقة من مهرجان كان، كما سبق لها أن خاضت تجربة التمثيل من خلال بطولتها لفيلم " غزية " من إخراج زوجها نبيل عيوش، كما أنها كانت عضوا في لجنة تحكيم مهرجان كان سنة 2023 التي ترأسها المخرج السويدي روين أوستلوند وترأست لجنة تحكيم المهرجان الدولي لفيلم المرأة في دورته التاسعة عشر في دورة 2024 .

وكما معلوم ففيلم " زنقة مالقة " يمثل السينما المغربية في سباق جوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم عالمي أو غير ناطق بالإنجليزية ( نسخة 2026 ) .