يختزل برلماني عضو في لجنة الخارجية والدفاع الوطني والشؤون الإسلامية والمغاربة المقيمين بالخارج الدبلوماسية الموازية في وليمة من "البيصارة" تقدم لسفير دولة أجنبية من أمريكا اللاتينية، لم يستطع نطق اسمها بشكل صحيح.

 تعمدنا التذكير بالاسم الطويل للجنة لبيان خطورة وأهمية مشاريع ومقترحات القوانين التي تناقش داخلها قبل العرض على الجلسات العامة، وكذا طبيعة الميزانيات التي تناقش فيها، والنقاشات التي تدور خلالها، والمرتبطة بعناصر السيادة من دفاع وخارجية وأمن روحي، وهو ما يتطلب أن تكون العضوية فيها لمن يمتلك الكفايات السياسية والمعرفية والاستراتيجية التي تؤهل لاستيعاب ما يتم طرحه في هذه اللجنة.

  إن التمثيلية داخل اللجن البرلمانية لا يجب أن تكون عشوائية، بل أن تنطلق من مسؤولية حزبية تجاه الصفة التمثيلية للبرلمان، بما هو تعبير عن السيادة الشعبية، ولكن للأسف فإن موازين القوى داخل كل حزب أو مجموعة برلمانية تجعل بعض النواب يفرضون عضويتهم في أي لجنة يشاؤون تبعا لحسابات صغيرة.

 نائب برلماني آخر، وعضو مكتب سياسي لحزب في الأغلبية الحكومية يصرح تعقيبا على القرار الملكي بجعل يوم 31 أكتوبر عيدا وطنيا، تحت اسم "عيد الوحدة"، بأن هذا اليوم يؤرخ لسيادة المغرب على الصحراء، وكأن الأقاليم الجنوبية بالصحراء المغربية لم يكن فيها قضاء مغربي، ولا أمن وطني، ولا مديريات لوزارات مغربية، ولم تكن تجرى بها انتخابات برلمانية وجماعية، وكأن رفض المغرب المستمر لتوسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة وضع حقوق الإنسان بالصحراء المغربية، لم يكن مبعثه هو الإصرار المغربي على السيادة المكتملة غير المنقوصة.

 إن اعتبار الملك محمد السادس أن المغرب ما بعد 31 أكتوبر 2025 ليس هو المغرب الذي كان قبله، يعني أن بلادنا مقبلة على جملة من التغييرات الحاسمة، والتي تتطلب نخبا قادرة على مسايرة الإيقاع الجديد، بعد فهمه واستيعابه، ومن الأمور المطلوبة هو تنقية الخطاب السياسي من اللغة المتداولة حول موضوع الصحراء المغربية، بغية تشييد خطاب آخر يمتح من الحقل الدلالي الذي استخدمه الملك في خطابه: إخوتنا في المخيمات/ لا غالب ولا مغلوب/ المغرب الموحد/ حفظ ماء وجه الجميع/ بناء علاقات جديدة تقوم على الثقة.

 ولذلك سيكون مطلوبا من الفاعلين السياسيين والمدنيين أن يمارسوا نوعا من القطيعة مع خطابات التعبئة التي كانت مطلوبة قبل هذا التاريخ، وبناء معجم خطابي قائم على التوجه نحو مستقبل السلم في المنطقة، ونحو تيسير سبل عودة المغاربة الصحراويين من مخيمات تندوف لبناء مستقبلهم إلى جانب باقي إخوانهم المنتشرين في كل جغرافيات البلاد وجهاته، وكذلك مغاربة العالم.

 إن المثالين السابقين للبرلمانيين اللذين قدما تصريحين خارج سياق المرحلة ومتطلباتها، التي تقتضي الكثير من الجدية والنباهة، لا يعني أن الأحزاب المغربية تفتقر لنخب قادرة على مرافقة المرحلة بكل النضج والمسؤولية المطلوبين.

  ذلك أن اللقاء الذي جمع مستشاري الملك رفقة وزيري الخارجية والداخلية بقادة الأحزاب السياسية، بأمر ملكي، وطلب اقتراحاتها حول تحيين وتفصيل المبادرة المغربية للحكم الذاتي في منطقة الصحراء الغربية المغربية تحت السيادة المغربية، يعني أن المؤسسة الملكية تسعى إلى إشراك كل القوى الحية في تدبير المرحلة الجديدة، ولكنه يعني كذلك أن هذه المؤسسة لديها الثقة في وجود نخب داخل الأحزاب السياسية قادرة على لعب أدوار وطنية فارقة لصالح القضية الوطنية الأولى، كما فعلت قيادات حزبية وازنة في أزمنة مضت من قبيل عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمان اليوسفي وعلال الفاسي وامحمد بوستة وعلي يعتةوعبد الكريم الخطيب، وكذا شبيبات حزبية وعلى رأسها الشبيبة الاتحادية / شباب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .

 ومن هذا المنطلق فإن الانتخابات القادمة يجب أن تكون فرصة لجعل المؤسسة البرلمانية تعبيرا حقيقيا عن نخب المرحلة الجديدة التي يحتاجها الوطن، مما يقتضي من الأحزاب التفكير حين منح التزكيات في القيمة المضافة التي يمكن أن يقدمها المرشح لإنجاح سيرورة التحول المطلوب في مغرب ما بعد 31 أكتوبر 2025، قبل التفكير في إمكانية ظفر المرشح بمقعد من عدمه.

 فلم يعد من معنى لبقاء برلمانيين غير قادرين على تجويد التشريعات، ومراقبة السياسات العمومية، وتطوير النقاش العمومي، واستعادة الثقة في المؤسسات الوطنية، والمنتخبة منها أساسا.

 إن البرلمان المقبل سيناقش أمورا مفصلية في تاريخ المغرب الراهن، وسيكون موضع متابعة من القوى الدولية الكبرى التي تتابع عن قرب مستجدات تفعيل القرار الأممي الأخير، كما سيتابعه باهتمام أكبر هذه المرة إخواننا في المخيمات والعائدين منهم، وهم يتشوفون إلى بناء مؤسساتهم في إطار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.

  وهي فرصة لبعض الأحزاب السياسية لتعيد بناء ذواتها، ولتتخلص من " الكائنات الانتخابوية" التي لا تحمل أي قيمة مضافة، وهي كائنات أصبحت للأسف تتحكم في بعض الأحزاب، وتفرض اجنداتها عليها، وخصوصا على مستوى منح التزكيات، والتمثيلية في المؤسسات الوطنية. دون قدرة على الدفع بالعمل السياسي نحو تعضيد الأفق الوطني بممكنات التكامل بين أدوار الدولة وأدوار الأحزاب.

 ولقد بينت تجارب كثيرة إمكانية هذا التعاضد وأهميته، من قبيل العمل الذي تقوم به بعض الأحزاب داخل منظمات دولية وازنة، كالأممية الاشتراكية، التي تضم مجموعة من الأحزاب التي تقود حكومات في بلدانها، او تتناوب على الحكم فيها، وقد كانت للمساهمة الاتحادية فيها انعكاسات على القضية الوطنية، تمثلت في تآكل سردية الانفصال داخلها.

 ومن شأن هذا أن يعيد المشهد الحزبي إلى التطابق بين التعددية السياسية والتعددية الحزبية، إذ لا تعكس التعددية الحزبية حاليا تعددية سياسية، بسبب أن الكثير من الأحزاب هي نسخ كربونية لبعضها البعض.

 فلقد حان الوقت لتكون التعددية الحزبية منطلقة من أقطاب واضحة: اليسار الإصلاحي، أقصى اليسار، اليمين المحافظ، اليمين الليبيرالي، الوسط الاجتماعي،،

 إن الخطاب الملكي الأخير، وقبله خطاب العرش ، وبينهما خطاب افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، واللقاء الذي جمع مستشاري الملك بالأحزاب السياسية، والنقاش المفتوح حول القوانين الانتخابية، وانطلاق مسلسل المشاورات حول مشروع التنمية المجالية المندمجة، كلها منطلقات تأسيسية للمغرب الذي تحدث الملك على انه ليس مغرب ما قبل 25 أكتوبر 2025، مما يتطلب ان تستوعب بعض النخبة السياسية ببلادنا والتي تتعامل مع القضايا الوطنية ب - ببهرجة / البوز- بيداغوجيا الخطاب الملكي الأخير، واستراتيجية المغرب الصاعد والموحد.

 إنها دعوة لتغيير الخطابات والفلسفة والأنساق