اتخذ المجلس خلال عام 2024 إجراءات مؤسسية هامة لتعزيز قدرته على تتبع أداء المحاكم، طبقا للمادة 10 من قانونه التنظيمي، بغية تأطير العمل القضائي وضمان حسن سير العدالة وتعزيز ثقة المتقاضين.
وفي هذا الإطار، أكد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في تقريره لسنة 2024، أنه اتخذ عدة إجراءات من أجل استكمال الهياكل الإدارية للأقطاب القضائية الثلاثة: القطب المدني، والقطب الجنائي، والقطب المتخصص
. وأبرز المصدر ذاته، أنه تم تفعيل مهام هذه الأقطاب بشكل كامل، حيث باشرت دورها المحوري في تتبع أداء المحاكم، وتحليل الإحصائيات القضائية المفصلة، ورصد مؤشرات النجاعة، مؤكدا أن هذه الجهود المؤسسية تشكل القاعدة الصلبة التي انطلقت منها مبادرات عملية هادفة، وأبرزها تفعيل مبدأ الأجل المعقول للبت في القضايا.
1- تفعيل مبدأ "الأجل المعقول": تحديد الآجال الاسترشادية
وفي هذا السياق، أطلق المجلس الأعلى للسلطة القضائية مبادرة تحديد الآجال الاسترشادية للبت في مختلف أنواع القضايا.
وكشف المجلس أن هذه المبادرة تستند إلى أساس دستوري وقانوني متين، يتمثل في المادة 120 من الدستور التي تلزم القضاة بالبت في القضايا داخل أجل معقول، والمادة 45 من القانون التنظيمي للقضاة التي خولت للمجلس تحديد هذه الآجال.
وأضاف أن المجلس اتبع منهجية علمية لتحديد هذه الآجال، حيث أجرى دراسة معمقة استمرت أربعة أشهر، اعتمدت على تحليل كمي لبيانات نظام التدبير المعلوماتي للقضايا خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2023.
وأكد التقرير أن هذه الآجال الاسترشادية لا تمس بالضمانات القانونية لحقوق الدفاع أو شروط المحاكمة العادلة، بل تهدف إلى ترشيد تدبير الزمن القضائي ومحاربة أسباب التأخير غير المبرر، مثل تكرار التأجيلات التي لا تستند إلى أساس قانوني أو واقعي.
واعتبر أن نجاح هذه المبادرة مرتبط بشكل وثيق، بمدى التقدم المحرز في مسار التحول الرقمي للنظام القضائي.
من جانب آخر، كشف تقرير2024، للمجلس الأعلى للسلطة القضائية أن التحول الرقمي لعب دوراً محورياً في دعم مبادرة الآجال الاسترشادية وتحقيق الأمن القضائي، من خلال تطوير منظومة معلوماتية متكاملة لتتبع نجاعة أداء المحاكم، تهدف إلى توفير أدوات دقيقة للمراقبة والتقييم، بتوفير آلية لضبط آجال البت في القضايا ومقارنتها بالآجال الاسترشادية المحددة، ورصد الملفات الرائجة التي تجاوزت آجالها المحددة لتسهيل التدخل والمعالجة، وتمكين هياكل المجلس من مراقبة مدى احترام المحاكم لهذه الآجال على المستوى الوطني، وإنشاء قاعدة بيانات للقضايا المزمنة لتحليل أسبابها ووضع خطط لمعالجتها، وتوفير لوحات قيادة تسمح بالمراقبة المستمرة لنشاط المحاكم، وإتاحة مؤشرات آنية للبيانات المرتبطة ببرمجة جلسات المحاكم.
وفي سياق متصل أوضح التقرير أنه عمل على تعزيز الشفافية بنشر الاجتهاد القضائي وتعميم الدوريات، بحيث عكس النشر الرقمي للاجتهاد القضائي التزام المجلس بضمان الحق في الوصول إلى المعلومة، وتعزيز الأمن القضائي، وتكريس الشفافية والنزاهة، بما يعزز ثقة المواطنين في العدالة.
وفي إطار البرنامج الاستراتيجي للمجلس، أفاد التقرير أنه تم إطلاق البوابة الرقمية الخاصة بقرارات محكمة النقض في 26 يناير 2022، والتي تم تطويرها خلال سنة 2024 لتعزيز قاعدة البيانات القضائية ونشر الاجتهادات الحديثة، بما يسهم في دعم القضاة وعموم المهتمين بالشأن القضائي.
وكشفت الإحصاءات تزايد عدد القرارات المنشورة على البوابة القضائية، ومنها قرارات محكمة النقض: 2022: 13.206 قراراً، 2023: 24.065 قراراً، 2024: 36.000، وقرارات محاكم الاستئناف: 2022: 110 قرارا، 2023: 274 قراراً، 2024: 688 قراراً، ثم أحكام المحاكم الابتدائية: 2023: 34 حكما، 2024: 364 حكما.
وأضاف المصدر ذاته، أن عدد زوار البوابة القضائية خلال سنة 2024، بلغ ما مجموعه 4.058.216 زائراً، وهو ما يعكس الإقبال الكبير على الاطلاع على الاجتهاد القضائي والاعتماد على البوابة كمصدر رسمي وموثوق.
وحسب ذات التقرير، فقد عرفت الأرقام زيادة كبيرة في عدد القرارات المنشورة، خاصة على مستوى محكمة النقض، بينما لم تكن البيانات الكاملة الخاصة بالمحاكم الابتدائية لعام 2024 متاحة وقت صدور التقرير، فإن التوجه العام يعكس إرادة قوية لتعميم الاجتهاد القضائي.
وأكد أن إجمالي عدد زوار البوابة بلغ خلال عام 2024 ما مجموعه 4,058,216 زائراً، وهو مؤشر على الاهتمام المتزايد بالوصول إلى المعلومة القضائية.
إلى جانب نشر القرارات، أعلن المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن "الدوريات" الصادرة عن الرئيس المنتدب للمجلس خلال عام 2024، شكلت أداة تأطيرية هامة. مؤكدا أن الدوريات عملت على إطلاع القضاة على المستجدات التشريعية والتنظيمية، وتنبيههم لبعض الإخلالات المهنية المرصودة، وتوحيد الممارسات القضائية، مما يساهم في ضمان تطبيق سليم وموحد للقانون.