بينما تجري الاستعدادات لإقامة تمثيلية أمريكية فوق أراضي الصحراء المغربية، تنفيذا لالتزام من إدارة الرئيس ترامب، كانت فرنسا قد افتتحت، في ماي الماضي، أول مركز لها للخدمات القنصلية في مدينة العيون، وهو أيضا الأول من نوعه في كامل تراب الصحراء‫، في سياق تسابق دولي لافتتاح قنصليات فوق الصحراء المغربية.‬

وقد شهد الإقبال الكبير لعدد من الدول لفتح قنصليات لها في الصحراء المغربية اهتماما متزايدا من وسائل إعلام دولية، وهو ما جعل مجلة جون أفريك الفرنسية، وفي تقرير سابق لها، تقول إن الصحراء المغربية تحولت إلى قطب ديبلوماسي.

وكانت مدينة الداخلة، وعلى غرار مدينة العيون، قد شهدت في الأشهر الماضية، تدشين العديد من القنصليات الدولية، في سياق تنام مطرد يبرز الأهمية التي تحظى بها الصحراء المغربية في خريطة الاهتمام الدولي بها، باعتبارها بوابة نحو إفريقيا، وبسبب مينائها الأطلسي، الذي يوجد قيد الإنشاء، والذي سيكون أحد أكبر الموانئ في المنطقة.

واعتبرت «جون أفريك» أن هذا الاهتمام المتزايد بفتح قنصليات دولية بالداخلة والعيون هو تعزيز لمكانة المنطقة كقطب ديبلوماسي، وأيضا تعبير عن اقتناع حقيقي بسيادة المغرب على صحرائه، وبالنظرة الاستراتيجية التي سبق أن أعلن عنها جلالة الملك، من خلال إطلاق المبادرة الأطلسية، والتي تهدف إلى منح دول الساحل الأربع، مالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، وإمكانية الاعتماد على ميناء الداخلة، بسبب عدم توفرها على ساحل بحري.

ورصدت المجلة انخراطا واسعا لدول إفريقية من جغرافيات مختلفة، في هذه الدينامية الديبلوماسية، بالإشارة إلى أن بلدانا ناطقة بالإنجليزية والإسبانية والبرتغالية، سبق أن افتتحت قنصليات لها بالداخلة، من قبيل غامبيا وليبريا وغينيا الاستيوائية وسيراليون وغينيا بيساو والرأس الأخضر، إلى جانب دول تنتمي للبلدان الفرانكفونية مثل دجيبوتي والكونغو الديموقراطية والسنغال وطوغو وغينيا.

كما سبق أن قامت دول أخرى بافتتاح قنصليات لها بالمدينة، بالإشارة لهايتي وسورينام، ثم منظمة دول شرق الكاريبي، والتي تضم سبع دول، ما يرفع عدد الدول التي افتتحت حتى الآن تمثيليات ديبلوماسية لها إلى أكثر من 17 في انتظار إقدام دول أخرى على نفس الخطوة في الفترة القادمة، خاصة جمهورية الدومينيكان، التي يتوقع أن تقدم على هذه الخطوة قريبا.

كما أن مدينة العيون، وعلى غرار مدينة الداخلة، تستضيف كذلك 12 قنصلية، تمثل دول جزر القمر والغابون وإفريقيا الوسطى وكوت ديفوار وبورندي وزامبيا ومملكة إستونيا ومالاوي وساوتومي وبرينسيب والإمارات والبحرين والأردن.

ويكشف هذا الواقع الجديد أن المغرب بدأ يجني ثمار استراتيجيته الواضحة في التعاطي مع قضية الصحراء بواقعية، وبخطاب واضح مبني على سياسة رابح رابح، وهو ما سبق أن كتبه مدير مجلة جون أفريك في مقال سابق له حين أكد أن رئيس الدبلوماسية المغربية، ناصر بوريطة، لا يخفي هذه الحقيقة حين قال: «حيث يرى الكثيرون مشاكل، يرى جلالة الملك فرصا»، حسبما صرح به يوم 23 دجنبر بمراكش، على هامش اجتماع مع نظرائه من مالي وبوركينا فاسو والنيجر وممثل سام من تشاد. وقد تمت في ختام اللقاء الإشادة بـ«المبادرة الأخوية» لصاحب الجلالة، والتي أعقبتها الزيارة التي قام بها رئيس وزراء النيجر إلى الرباط، منتصف شهر فبراير الماضي.

واعتبر الكاتب فرانسوا سودان أنه حتى لو كان العمل المطلوب لجعله حقيقة واقعة، من حيث الخدمات اللوجستية والبنية التحتية كبيرا جدا، فإن العرض المغربي تجاه هذه اليلدان غير الساحلية جريء وجذاب في نفس الوقت. ليس أقل من إعادة توجيه منافذها البحرية من موانئ خليج غينيا نحو المركز المستقبلي للداخلة الأطلسية، حيث لا تعتمد بعد الآن على أهواء وأمزجة وعقوبات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا والدول الغربية.

فالمغرب، يقول الكاتب، يمتلك فرصة لترسيخ جذوره على المستويين الدبلوماسي والسياسي، حتى لو على حساب الجزائر، وهو ما استغله محمد السادس مع التركيز الإضافي على الهدف الأساسي المتمثل في الاعتراف بمغربية الأقاليم الجنوبية.