اعتبر محمد الكيحل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بالمعهد الجامعي للدراسات الإفريقية بجامعة محمد الخامس، أن ثمة تساؤل مشروع حول دعوة المغرب الجزائر كل مرة للحوار لحل المشكلات العالقة، دون أن تظهر مؤشرات على إمكان نجاح هذا المسعى.
وتساءل الكيحل، هل المغرب يفعل ذلك من باب الإقناع المتكرر بأنه لا خيار للبلدين سوى الحوار المباشر بحكم أن كل المشكلات العالقة بينهما بما في ذلك مشكلة الصحراء، حلها بين يدي الطرفين لا بيد أي طرف آخر؟ أم يفعل ذلك من باب الإحراج السياسي والدبلوماسي حتى يظهر المغرب أمام المنتظم الدولي بأنه الأكثر رغبة في الحل الدبلوماسي مع أن الأمر يخص سيادته ووحدته الترابية؟ أم أنه يفعل ذلك من قبيل إقامة الحجة تحذيرا من سيناريوهات قد تضر بالجزائر في حالة التعنت؟
وأضاف رئيس مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والإستراتيجية ، في ورقة بحثية توصل موقع "أحداث أنفو"، بنسخة منها، أن الخطاب الملكي الأخير الذي وجه الدعوة من خلاله لحكام قصر المرادية، هو استمرار لسياسة اليد الممدودة التي انتهجها المغرب من سنين.
وأوضح أن هذه الدعوة جاءت في سياق دولي وإقليمي مغاير عرفت خلاله قضية الصحراء تكريس مبادرة الحكم الذاتي كصيغة جديدة لإنهاء هذا النزاع المفتعل؟، متسائلا: هل يريد الملك أن يوجه الرسالة الأخيرة قبل فوات الأوان؟، والتي مضمونها أن الحل كان ولازال بين الأشقاء المغرب والجزائر. لكن تضييع هذه الفرصة منذ سنوات طويلة من قبل حكام الجزائر الذين بدل أن يجلسوا على طاولة المفاوضات قاموا بغلق الحدود بين شعبين جارين مسلمين، مبرزا أن الأمر الذي سمح بتدخل القوى الدولية في هذه القضية تحليل سياقات دعوات المغرب للحوار مع الجزائر قد يسهم في إيضاح الخلفيات بشكل أكثر وضوحا.
واعتبر أستاذ العلاقات الدولية، أن التسوية النهائية المحتملة حول قضية الصحراء لصالح السيادة المغربية تمثل نقطة انعطاف جيوساسية عميقة لكل من المغرب والجزائر وبقية البلدان المغاربية ومنطقة الساحل الأوسع.
وأكد أن هذا التحول لا يحدث في فراغ، بل يتزامن مع تفكك الهياكل الأمنية الغربية في منطقة الساحل والصحراء الكبرى وعودة الأنظمة المدعومة عسكريا، وتفاقم التنافس بين طرفي النزاع المغرب والجزائر والأهم من ذلك، يضمن غياب التعاون من الجزائر، التي تعتبر النزاع جوهر سياستها الخارجية الثابت، أن المشهد ما بعد التسوية سيتحدد بالاستقطاب الاستراتيجي وليس بالاستقرار بين البلدين فحسب.
وكشف المصدر ذاته، أن المتغير الأكثر أهمية الذي يحدد المشهد المستقبلي لقضية الصحراء هو العداء العميق وغير القابل للتراجع للجزائر، في دعمها الثابت لجبهة البوليساريو ومبدأ تقرير المصير هو خط أحمر وطني وإيديولوجي، مما يجعل القبول النهائي للسيادة المغربية هزيمة استراتيجية قاسية وغير مقبولة من طرف الجارة الشرقية.
وقال:" في غياب كامل للتعاون، مع قطع العلاقات الدبلوماسية من إغلاق الحدود منذ عام، يدخل التنافس الإقليمي مرحلة من الجمود الاستراتيجي ومعضلة أمنية مكلفة. كما أن التنافس على ملء الفراغ في منطقة الساحل المحاذية للمنطقة المغاربية نتيجة انسحاب الشركاء الغربيين التقليديين مثل فرنسا في أعقاب الانقلابات العسكرية في دول الساحل أدى إلى إحداث فراغ أمني واقتصادي عميق، تتنافس القوى المغاربية بنشاط على ملئه"، مضيفا أن هذا ما ينطبق على المغرب الذي تقدم بإطلاق مبادرات ذات حمولات جيوسياسية وجيواقتصادية كما هو الحال المبادرة الأطلسية ومبادرة ولوج دول الساحل للمحيط الأطلسي.
وخلص إلى أن هذه بعض من الأسئلة التي تفرضها السياقات الجيوسياسية التي ترسم المشهد المغاربي ومنطقة الساحل الأوسع، فهل تستطيع إرادة التفاوض بحسن نية بين الجارين الشقيقين التغلب على كل الصعاب والتحديات وإيجاد حل لقضية الصحراء ليس من باب من الحسابات السياسية الظرفية والضيقة بل من منطلق الإطار الأوسع لبناء الاتحاد المغاربي؟ وذلك عبر الجلوس على طاولة المفاوضات المباشرة الكفيلة لإيجاد تفاهمات سياسية واقتصادية واستراتيجية تسمح بوضع قطار التعاون المغاربي على السكة الصحيحة وإعادة الأهمية الاستراتيجية التي ظلت تلعبه المنطقة كمنقطة للتلاقح الحضاري والثقافي والأمن والسلام الإقليمي والعالمي؟.