شهدت مدينة تطوان احتفاء ثقافيا وفكريا مميزا بتجربة الكاتبة والناقدة المغربية الدكتورة لطيفة لبصير، خلال لقاءين متتاليين نظمهما مختبر الدراسات اللغوية والأدبية والثقافية بشعبة اللغة الإنجليزية بجامعة عبد المالك السعدي والمركز الثقافي "إكليل"، وذلك بمناسبة تتويج روايتها الجديدة "طيف سبيبة" بجائزة الشيخ زايد للكتاب (2025).
وجمع هذا الاحتفاء ثلة من المبدعين والباحثين والطلاب، لتسليط الضوء على تجربة أدبية تراهن على الإنسان والوعي الاجتماعي، ولتعكس الدور الحيوي للأدب في معالجة قضايا المجتمع المعاصر.
افتتح اللقاء الأول بمختبر البحث يوم الخميس الماضي بكلمة ترحيبية ألقاها الدكتور كريم بجيت، الذي أشار إلى دينامية المختبر في فتح فضاءات للحوار النقدي وتطوير البحث الأدبي، ثم قدم الكاتبة، مسلطًا الضوء على مسارها الإبداعي الغني واهتمامها بالقضايا النسائية وهويات الكتابة المعاصرة، مؤكدا مكانتها كواحدة من أبرز الأصوات الأدبية المغربية والعربية المعاصرة.
وأدار الحوار الطالبة الباحثة إكرام ابن طلحة، حيث تم التركيز على رواية "طيف سبيبة"، التي تجسد التزام لبصير الإنساني والاجتماعي، وفي هذا الإطار، أوضحت الكاتبة أن الرواية ولدت من تجربة مباشرة في متابعة معاناة الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد وأسرهم، وأنها تسعى عبر النص إلى توفير مساحة للشفاء وبث الوعي والتعاطف.
وأكدت لطيفة لبصير أن الرواية تتجاوز السرد الفني لتصبح نداء أخلاقيا يدعو إلى احتضان الاختلاف وفهم العالم الداخلي للأطفال المختلفين، مع معالجة الظواهر السلبية للتنمر والعنف داخل الوسط المدرسي، وتأثير العوالم الرقمية على الحس الإنساني.
واختارت لبصير أن تكون الساردة طفلة تدعى "هبة"، لتكون العين الرائية التي تترجم صمت الطفل "راجي" إلى كلمات، بينما تتحول الدمية "سبيبة" إلى كائن حي يمثل الطيف الإنساني داخل الأسرة، وتطرقت إلى دلالات اللون الأصفر في غلاف الرواية، معتبرة إياه رمزا يمزج القلق بالشفاء والأمل، مضيفة أن الرسم والفن يعدان وسائل للتعبير عن الذات والعلاج النفسي، ومستحضرة تجارب فنية عالمية مثل فان غوخ وفريدا كاهلو في تحويل الألم إلى إبداع.
كما تناول الحوار التجربة الأدبية العامة للكاتبة، من مجموعاتها القصصية مثل "رغبة فقط" و"ضفائر" و"يحدث في تلك الغرفة"، مع الإشارة إلى تطور أسلوبها نحو التكثيف والتجريد، مؤكدة أن الكتابة بالنسبة لها "مسار تحول دائم" ووسيلة لتجاوز الذات، مبرزة أن النصوص النقدية مثل "الجنس الملتبس" تميز بين الكتابة النسوية بوصفها خطابا أيديولوجيا، والنقد النسائي بوصفه فعل قراءة يعيد بناء التاريخ الأدبي من منظور جديد.
وفي اللقاء الثاني بالمركز الثقافي "إكليل" يوم الجمعة 31 أكتوبر 2025، الذي قدم فيه الأستاذ رشيد برهون لطيفة لبصير مشيدا بمسارها العلمي والأدبي، تعرضت الكاتبة للسياقات النفسية والاجتماعية للرواية، مركزة على التنمر والعنف المجتمعي، وداعية إلى تبني مقاربة تربوية واجتماعية للطفل المتوحد.
وأكدت أهمية دور الأسرة، خاصة الأم، في دعم الطفل المتوحد، بينما يواجه الأب تحديات الصدمة، مضيفة أن الهدف ليس الإدانة، بل الفهم والوعي، وفي هذا الإطار ناقش الحضور الرمزية العميقة للشخصيات؛ "راضية" للقبول، و"راجي" للرجاء، و"هبة" كهدية الحياة، و"آمال" للأمل المتجدد، ما يضيف طبقات وجدانية واجتماعية للسرد.
وتميز اللقاء بعرض مقطع فني مستوحى من رسالة كتبتها "هبة" للأطفال عبر صوت الدمية "سبيبة"، أدته طفلة بصوت بريء، ليجسد لحظة مؤثرة تعكس جوهر الرواية في التفهم والعطف، كما قدم الحضور مداخلات نقدية حول البعد الجمالي والنفسي والاجتماعي للنص، مشيدين بجاذبية لغة الرواية وقدرتها على المزج بين الألم والأمل.
واختتم الاحتفاء بتكريم الكاتبة وتسليمها درعا من مدير المركز الثقافي "إكليل"، عماد العطار، مع حفل توقيع للرواية في جو أدبي وثقافي، مؤكدا أن "طيف سبيبة" تمثل نموذجا للأدب الذي لا يكتفي بالسرد، بل يتحول إلى صوت مقاوم وشهادة وجدانية، ودعوة لفهم الآخر وقبول الاختلاف، لتصبح الرواية نشيدا للأمل في زمن يزداد فيه الإنسان أحيانا غريبا عن إنسانيته.