هو فتح مبين بعبارة جلالة الملك الذي افتتح اليوم خطابه بالآية الكريمة "إنا فتحنا لك فتحا مبينا" ، وهو أيضا لحظة حاسمة تجسد تحديدا ما بعد 31 أكتوبر.
هذه اللحظة تجسد كذلك، قبل كل شيء، مشاعر الارتياح التي أبى جلالة الملك إلا أن يتقاسمها مع شعبه وفاء لقسم المسيرة، التي ظلت مسترسلة عبر الزمن طوال 50 سنة متخذة أشكالا متعددة، لعل أهمها يتجلى في أبعاد التنمية والبناء والديبلوماسية تحت قيادة ملكية حكيمة.
هذا بالضبط ما أكده جلالة الملك عندما قال "إن ما تعرفه أقاليمنا الجنوبية من تنمية شاملة وأمن واستقرار، هو بفضل تضحيات جميع المغاربة".
في الخطاب الملكي الذي جاء مباشرة بعد التصويت في مجلس الأمن على دعم الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كأساس لكل حل سياسي مقبول للنزاع الإقليمي المفتعل، أعلن جلالة الملك عن بلوغ مرحلة الحسم على المستوى الأممي، حيث حدد قرار مجلس الأمن المبادئ والمرتكزات، الكفيلة بإيجاد حل سياسي نهائي لهذا النزاع، في إطار حقوق المغرب المشروعة.
كما أعلن عزم المغرب تحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، لتقديمها إلى الأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق.
وقد كانت مناسبة توجه فيها جلالة الملك بخطابه إلى ساكنة المخيمات "لاغتنام هذه الفرصة التاريخية، لجمع الشمل مع أهلهم، وما يتيحه الحكم الذاتي، للمساهمة في تدبير شؤونهم المحلية، وفي تنمية وطنهم وبناء مستقبلها في إطار المغرب الموحد".
هكذا يكون الحكم الذاتي مفتاحا لكل تسوية وأساسا للجلوس على طاولة المفاوضات، لإنهاء النزاع المفتعل حسب مضمون قرار مجلس الأمن، الذي بقصد أصر على تكرار ذكر المبادرة المغربية في أكثر من فقرة ست مرات، تأكيدا على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الأكثر جدوى، طبعا بعد إقراره بالزخم الذي عرفته المبادرة المغربية والدعم الذي أعربت عنه العديد من الدول باعتبار الحكم الذاتي أساسا لحل عادل ومقبول.
من جهة أخرى كرر جلالة الملك دعوته إلى الرئيس الجزائري "لحوار أخوي صادق، بين المغرب والجزائر، من أجل تجاوز الخلافات، وبناء علاقات جديدة، تقوم على الثقة، وروابط الأخوة وحسن الجوار".
لقد اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية من خلال مندوبها بمجلس الأمن عقب التصويت أن هذا القرار هو قرار تاريخي، عالما أن الولايات المتحدة هي صاحبة القلم التي صاغت القرار الذي تم التصويت عليه بأغلبية الدول الأعضاء دون معارضة، حيث امتنعت ثلاث دول عن التصويت وغادرت دولة واحدة التصويت.
هذا الزخم الدولي المؤيد للحكم الذاتي المغربي لم ينطلق من فراغ بل كان مجهود مسيرة دبلوماسية حكيمة وذات نفس طويل، نجحت في استثمار الأثر الإيجابي للمسيرة الخضراء التي أبدعها الملك الراحل الحسن الثاني، وتحولت إلى مسيرة تجاوزت الحدود المغربية إلى كافة أرجاء القارة الإفريقية انطلاقا من عودة المملكة بقوة إلى الاتحاد الافريقي بعد غياب دام 33 سنة، ما مكنها من مواجهة الأطروحة الانفصالية داخل القارة. ثم بعد ذلك التحول إلى قوة اقتراحية انطلاقا من أبريل 2007 بطرح مخطط الحكم الذاتي وبداية مسيرة دولية انتهت بإقناع معظم الدول بالأمم المتحدة بالمخطط المغربي.
وهو مايؤكده جلالة الملك بالقول أن "ثلثي الدول بالأمم المتحدة، أصبحت تعتبر مبادرة الحكم الذاتي، هي الإطار الوحيد لحل هذا النزاع".
هذا بالضبط ما استدعى توجيه الشكر لهذه الدول عبر الخطاب الملكي عندما قال جلالته "ولا يفوتنا هنا، أن نتقدم بعبارات الشكر والتقدير لجميع الدول، التي ساهمت في هذا التغيير، بمواقفها البناءة، ومساعيها الدؤوبة، في سبيل نصرة الحق والشرعية. وأخص بالذكر الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة صديقنا فخامة الرئيس دونالد ترامب، الذي مكنت جهوده من فتح الطريق للوصول إلى حل نهائي لهذا النزاع. كما نشكر أصدقاءنا في بريطانيا وإسبانيا، وخاصة فرنسا، على جهودهم من أجل نجاح هذا المسار السلمي. ونتوجه أيضا بجزيل الشكر لكل الدول العربية والإفريقية الشقيقة، التي ما فتئت تعبر عن دعمها، الدائم واللامشروط، لمغربية الصحراء، وكذا مختلف الدول عبر العالم، التي تدعم مبادرة الحكم الذاتي".
الخطاب الملكي كان أيضا امتدادا لتلك الديبلوماسية الحكيمة التي نهجها جلالة الملك على الدوام، فهو رغم الارتياح المسجل أصر على أن المغرب لا يعتبر هذه التحولات انتصارا، ولا يستغلها لتأجيج الصراع والخلافات، بل يبقى حريصا على إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظك ماء وجه جميع الأطراف.