كنا في الرباط الأربعاء كله.
صباحا كان الجو متأرجحا بين حرارة رطبة ثقيلة وبين ريح يريد العصف فلا يستطيع. أمام البرلمان وجوه من ماض قديم، عابرون لا يعرفون إلى أين هم ماضون، متسكعون في المقاهي، وأشخاص يبدو من سحناتهم والملابس أنهم يقصدون عملا ما، وحمام البرلمان يطير حينا، ويحط أحايين أخرى، فيما محطة القطار "الرباط المدينة" لا تتوقف، بشكل غريب فعلا، عن ابتلاع ناس يدخلونها، وإلقاء آخرين يخرجون منها إلى العاصمة.
حوالي الثالثة مساء، بدأت الرباط تتغير.
لا أدري بالتحديد ما الذي وقع، لكن الجو العام كله تبدل.
هبت ريح غربية جميلة، هذه المرة، داعبت مسام الروح والجسد، وشرع عمال النظافة في تنظيف الشارع الكبير من كل أزباله، استعدادا للاستقبال المخصص لأشبال الأطلس.
بخفر وحياء، بدأت الرايات الحمراء بنجماتها الخضراء في الظهور واحدة بعد الأخرى، عند صغير هنا، وعند رجل متقدم في السن هناك، أو بين أيدي فتيات جميلات مرة ثالثة، وهن يغادرن "الماكدو"، ويلتقطن قرب المقر القديم لنقابة الصحافيين (أو لعله لا زال نفس المقر، لا أدري صراحة)، سيلفيهات لتخليد هذا اليوم الذي يبدو أنه خاص بالنسبة لهن.
قرابة السادسة كشفت الرباط عن وجهها الجميل صراحة.
سفور في السعادة أبهج الجميع.
وفجور في إعلان النسبة والانتماء ذكر الكل بما هم هنا أصلا لأجله: قول شكرا لصغار مغاربة أعادوا تشكيل عالم كرة القدم على هواهم، وقرروا في لحظة عناد مغربية أصيلة ألا ينتهوا من مونديال الشيلي إلا وكأس العالم لأقل من عشرين سنة بين أيديهم، يدخلون بميدالياتها الذهبية باب السفراء في الرباط، قاصدين المشور السعيد، والقصر الملكي العامر في العاصمة لكي يهدوها لملك البلاد الذي أصدر تعليمات جلالته السامية لولي عهده لكي يستقبلهم أفضل وأعظم وأجمل استقبال.
المغربي عندما يعاند ويعد... يفي.
والمغربي عندما تفي بكل وعودك معه لا ينسى أبدا الجميل.
لذلك استقبلت الرباط أبطالها الأشبال خير استقبال.
لن ينسى معما والصادق والزابيري وباعوف وبيار وجسيم ومعمر ويانيس وسعد والزهواني، الاسم على المسمى، والبقية بقيادة أخيهم الأكبر ومؤطرهم وهبي وكل الطاقم، ذلك اليوم الأغر.
ذاك أن الرباط يومها أعلنت نفسها عاصمة للمستقبل، وقالت لهذا "الجيل الزين" من أجيال كرتنا الوطنية: الأمانة بين يديك، والمستقبل ملكك، ويجب أن تفي بوعد عناد أكبر من هذا سنة 2030 حين سيحتضن وطنك المونديال.
هذا الجيل منعنا بشكل نهائي من التفكير مستقبلا في الخسارات المشرفة، وفي الاقتراب من الحلم دون معانقته، وفي الخروج من الأدوار الأولى.
هذا الجيل قال لنا: المغرب سيكون دائما منتصرا، وفي الصدارة، وتلك الحافلة الجميلة يجب أن تستعد دوما لحمل أبطال جدد يطوفون شوارع العاصمة، كل مرة، ومرة بعد مرة، بعد الخروج من استقبال ملكي جديد، لكي يسمعوا الشعب وهو يقول لهم "شكرا ونريد المزيد".
باختصار، كانت الرباط الأربعاء عاصمة بهية لمستقبل سيكون أبهى، وكنا هناك، وهذا أمر سيبقى حتى ختام الختام.