لا جدال في ان المغرب يشهد مرحلة انتقالية نحو اقتصاد صاعد، يضعه، في أفق 2035، في نادي الدول الصاعدة؛ بعدما ظل لسنوات دولة نامية تفصلها مسافات عن مسارات التقدم. ولعل التحولات الهيكلية التي تعرفها المملكة، دعامة أساسية لبناء " المغرب الصاعد". وهدفها تنويع الاقتصاد، تعزيز الإبتكار وتحسين مؤشرات التنمية البشرية. وإنها لفرصة تاريخية أن يلعب جيل الشباب الجديد، دورا حيويا في هذه الدينامية، شرط استثماره وتأطيره داخل مؤسسات الوساطة والمجتمع المدني لتفعيل دوره وفق النموذج التنموي الجديد.

ويظل هذا المبتغى، محتاجا لمبادرات وعمل وطني حقيقي، من طرف كل القوى الحية، قصد إعادة الثقة بين الشباب والمؤسسات، وتمكينهم من المشاركة الفاعلة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

بنفس العزيمة التي بنيت بها طريق الوحدة، بداية الاستقلال، وبروح "لنكن التغيير الذي نريده لعالمنا" وفلسفة التنمية البشرية والمستدامة، التي أرساها ملك البلاد منذ بداية حكمه، ينبغي أن يسهم المتنورون من رجال البيداغوجيا والثقافة والعلم والانخراط المدني والمجتمعي والفاعلين السياسيين الشرفاء، في وضع معالم ربيع للثقة والأمل تزهر فيه شبيبتنا، التي وإن كان لها رأي ومواقف وتذمر ملحوظ اتجاه مردودية البرامج الحكومية والسياسات العمومية، في قطاعات حيوية تمثل أساس انشغالها ومعيشها اليومي وباقي المواطنين، فالملموس هو غيابها عن ساحة التناظر السياسي والانخراط المؤسسي في تدبير الشأنين المحلي والعام، حتى تكون دماء جديدة تجري في عروق التداول على التسيير وتجديد النخب، الذي يشهد فتورا وتجمدا واضحا.

لقد آن الأوان لتعمل كل من الحكومة والجامعات والمجالس المنتخبة والمجتمع المدني، والقطاع الخاص كذلك، على بلورة فضاءات مبتكرة لإنماء بوادر الأمل لدى الشباب وتعزيز ثقتهم في المؤسسات والمجتمع. مما سيمكنهم من زيادة الانخراط الفعال في الدينامية الاقتصادية الوطنية والإسهام الملموس في المشاريع التنموية، وفق النموذج التنموي الجديد. ولعل تمكين الشباب اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، سيتأتى عبر هذه الفضاءات من خلال تطوير مهارات قيادية وريادية لديهم.

لقد تم تبخيس الفكر التطوعي الذي كان يذكي الوطنية لدى الأجيال السابقة، بنوع من البراغماتية العمياء، التي تجعل مرادفا ماديا لكل فعل وخدمة. ولو أن هناك خدمات جليلة، اتجاه الوطن والأجيال القادمة، تعد من باب الواجب والحرص على استدامة الثروات الوطنية والقيم، لا يمكن تقديرها بثمن.

إنها فرصة ربما، لبلورة استراتيجية وطنية لتصحيح المسارات التربوية والقيمية وإنماء الحس الوطني والمواطن، حتى لا نجد شبابنا يوما عرضة للاستلاب والانزلاق…

هذا الشباب الذي وجد نفسه لأوقات طويلة يحاور نفسه أمام شاشات الحواسيب ويتغدى من معلوماتها، وهو يطالب بتجويد الخدمات الصحية والتعليم، حتى يكونا ضامنا لكرامة الإنسان وعيشه الكريم، لن يبخل على بلاده – إذا تم تأطيره- بالمساهمة في برامج تطوعية جادة في التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية. كما تلزمه فرص حقيقية لبلورة أفكاره ومساعدته على الإبتكار والتجديد. وقد يتسنى هذا من خلال حاضنات ومسرعات أعمال، بالتعاون مع الجامعات والقطاع الخاص، تمكن من بلورة مشاريع رقمية وصناعية وخدماتية مرتبطة بالنموذج التنموي الجديد.

ذلك أننا لا يمكن ان نلوم هذا الشباب عن عدم إلمامه بما يكفي بالمفاهيم الديموقراطية وعدم معرفته الدقيقة بسير المؤسسات الدستورية وعدم اطلاعه على مكونات وأسس البرامج والاستراتيجيات الوطنية الكبرى، في غياب عرض تأطيري حقيقي من طرف غالب الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني يتماشى مع المعطيات الجديدة للعصر وانتظارات هؤلاء الشباب. حيث يمكن لهذه التنظيمات، أن تقترح دورات لتدريب الشباب على العمل السياسي البناء والمسؤول، ومحاكاة صنع القرار داخل الهيئات المحلية والوطنية. والهدف الحقيقي من هكذا برامج هو ارتفاع تمثيلية الشباب والنساء بشكل طبيعي داخل المؤسسات المنتخبة. بالإضافة إلى تحصين الديموقراطية الداخلية للهيئات الحزبية وجعلها نموذجية.

لا يجب أن نترك شبيبتنا ضحية لخطاب شعبوي ملغوم يضع التنمية المحلية والعدالة المجالية والحقوق الأساسية، في تعارض مع المشاريع الوطنية الكبرى والاستراتيجية. وهو التعارض الذي لا يمكن قبوله، كما أشار إلى ذلك خطاب جلالة الملك محمد السادس في افتتاح الدورة الخريفية للسنة الخامسة من الولاية البرلمانية الحالية.

كما نبه جلالة الملك في خطابه أمام السادة البرلمانيين، ممثلي الأمة، إلى وجوب تغيير العقليات وترسيخ ثقافة النتائج، حيث قال جلالته في خطابه السامي:" فالتحول الكبير الذي نسعى إلى تحقيقه على مستوى التنمية الترابية، يقتضي تغييراً ملموساً في العقليات وفي طرق العمل، وترسيخاً حقيقياً لثقافة النتائج، بناءً على معطيات ميدانية دقيقة، واستثماراً أمثل للتكنولوجيا الرقمية."

وهذا سيمكن من أن تكون النتائج ملموسة ومقنعة وواضحة لعموم المواطنين والمواطنات. مما سيمكن من بناء المغرب الصاعد بمؤشرات تضعه في ركب التقدم والنمو. الشيء الذي يعد، إلى جانب تأطير المواطنين، مسؤولية مشتركة بين كافة القوى الحية للأمة.

(*) إعلامي وكاتب

جريدة "الأحداث المغربية" عدد الخميس 16 أكتوبر 2025