أتابع، بشغف حقيقي، حوارات منصة "ديسكورد"، بين الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم مسمى "جيل زيد"، وأجد في كثير من التدخلات كلاما حكيما يستحق الإشادة والتنويه، وأعبر على وفوق تدخلات أخرى من الضروري أن توجد وأن ننصت إليها، وإن لم نتفق معها، لأن هذا الأمر هو العادي، وهو المندرج ضمن طبيعة الأشياء، واختلاف الناس وتدافعهم فوق هذه الأرض، كيفما كانت أعمارهم ومستوياتهم، وطريقة رؤيتهم للأشياء. 

ولأن هذا الحوار مفتوح لجميع المغاربة، فلا بأس من قليل، أو كثير تفاعل معه، لأن الأمر يهم في نهاية المطاف الوطن الذي نعيش فيه جميعا، ونهتم بأمره جميعا، ويعنينا كل ما يقع فيه جميعا. 

أهم تفاعل يظهر اليوم هو الرد على سؤال جوهري عن كيفية حماية هذا الحراك الشبابي من سطوة القدماء ومحاولات الاستيلاء أو القرصنة hacking التي شهدناها الأيام السابقة كلها؟ 

هناك جيل سابق لا يستطيع منع نفسه من القيام بهذا الأمر كل مرة، ويرفض رفضا قاطعا أن ينصت فعلا للأصوات الجديدة، لذلك يمارس عليها أبوية مرفوضة تماما، ويصفي من خلالها حساباته العالقة مع مختلف الأطراف. 

يظهر الأمر جليا حين استضافة منصة النقاش لأسماء محسوبة على توجه واحد ووحيد في البلد، وكيف تسقط هذه الأسماء كل مرة في حكي ماضوي معيب لا يرد إطلاقا على أسئلة مغرب اليوم، ولا يستطيع، ولو من باب التفاؤل المبالغ فيه، أن يقدم أي رد على أسئلة مغرب الغد. 

البكاء بسرعة على حائط الحكومة، ثم المرور إلى تصفية حساب العقد السالفة من طرف هذا أو ذاك، أمر لن يقدم لجيل «زيد» ما يبحث عنه اليوم وغدا. 

هو فقط يسقط هذا التحرك، الذي لازلنا نعتبره شبابيا تحركه نية حسنة وسليمة في إصلاح ما يجب إصلاحه، في فخ التوظيف والاستعمال لخدمات أخرى لم يكتب لها النجاح في السابق، وأسماء الواقفين وراءها والمحركين لها معروفة، والفشل كان حليفها دائما في كل ممارساتها الماضية وتجد اليوم فيما يقع، وبالشكل الذي يقع به، فرصتها لإعادة المحاولة مرة أخرى. 

رأيناها في الرسالة المعيبة التي قفزت على هذا التحرك الشبابي، ووقعها كهول وشيوخ لدى كل منهم أجندة معروفة، وضمنهم أسماء محترمة، لكن بينهم أسماء أقل احتراما بكثير، وقد رأينا كيف تعاملت أغلبية الشعب المغربي مع تلك الرسالة وكيف ردت عليها الرد البليغ بتجاهلها وتجاهل قلة الذوق التي نضحت منها. 

ورأينا الأمر ذاته في وقفة التروكاديرو في باريس، وكيف (نقزت) مجددا وجوه قديمة معينة على الفرصة التي اعتبرتها سانحة، وكيف فشلت مجددا في عملية "التنقاز" هذه. 

ثم رأينا الأمر في الحوارات على المنصة، وكيف يتم توجيه النقاش - بخبث واضح - نحو صدام لا يصدق عاقل واحد في المغرب أنه سيتم، مهما نفخ في الرماد النافخون. 

وأسوأ خداع تم للشباب هو شحنهم لانتظار المستحيل دستوريا في بلد قرر احترام الدستور "مهما كان الثمن"، ودفعهم إلى تصديق خرافات واستيهامات وتهيؤات كاذبة، قصد إشعارهم بخيبة الأمل بعدها، والركوب على منسوب حقد جديد هو الذي يحرك قدماء المحاربين لأجل مصلحتهم.

لحسن الحظ، والعبد لله مؤمن أبدي بالنبوغ المغربي: فطن الشعب للخطة، وميز بين الممكن والمستحيل، وقال بمختلف الطرق واللغات واللهجات للطوابرية ولحاملي العقد السابقة، ولأصحاب الحسابات العالقة: لن تمروا. 

قال الشعب "نعرف ماذا نريد بالتحديد"، أو مثلما قال ملكه يوم الجمعة الماضي: "وفي هذا الصدد، ندعو الجميع، كل من موقعه، إلى محاربة كل الممارسات التي تضيع الوقت والجهد والإمكانات، لأننا لا نقبل أي تهاون في نجاعة ومردودية الاستثمار العمومي". قبل أن يختم جلالته بآيات سورة الزلزلة التي يفترض أن تحرك في كل مغربي حي أحاسيس الاشتغال، لأن الكلام والتنظير سهل للغاية، أما العمل الفعلي وتقديم الإجابات الحقيقية فهو أصعب الأشياء.

وللكلام صلة، وللحوار بقية بطبيعة الحال...